هو شهر الصوم لدى المسيحيين. وهو أيضاً موسم انتشار الأغذية الفاسدة لا سيما اللحوم. على الرغم من ذلك، لا يبدو أن أبناء الجنوب قد «قنّنوا» من تناول اللحوم، النيّئة منها والمطبوخة. ملاحم المنطقة التي تصطف على مسافة طويلة، بدءاً بمحلة سينيق جنوب مدينة صيدا، وصولاً إلى عدد من المدن الجنوبية (النبطية، صور) لا تزال تغصّ بالزبائن. هذا ما يكشفه الدخان المتصاعد من مشاوي اللحم المنتشرة أمام الملاحم، بالإضافة إلى الحركة الكثيفة التي لم تتأثر بكثرة الأخبار عن اكتشاف هنا، وآخر هناك، لمستودعات اللحوم الفاسدة.
روّاد هذه الملاحم برّدوا أعصابهم. فما يتناولونه من اللحم غير مبرّد بل طازج، يقولون. والدليل هذه الخراف التي تأتي من المستودع إلى المقصلة مباشرة، حيث تذبح على مرأى من الزبائن. يؤكد صاحب ملحمة في المنطقة عدم وجود «أي تأثير سلبي على مبيع اللحم، جراء فوبيا اكتشاف لحوم فاسدة»، قائلاً «تناول السودا النية (القصبة)، والصفيحة، واللحم بعجين، بقي محافظاً على وتيرته العالية حتى مع صوم إخوتنا المسيحيين عن الزفر». يضحك طويلاً وهو يفكر في حال لبنانيين حرموا أنفسهم من اللحوم بسبب هذه الأزمة، في حين أن «الحركة متل ماهيي هنا». الرجل الواثق من بضاعته، لا يتردد في الهتاف، ضاحكاً مجدداً «ع السكين ياخروف». يسنّ سكينه بمبرد ليذبح «خروفاً بلدياً»، هو الرابع الذي يذبحه «والوقت مازال ظهراً».
محمود جابر كان يتناول اللحم المشوي على جري عادته، غير عابئ بتحذيرات طبيبه إلى «التوقف عن أكل اللحوم التي تسبّبت له بسمنة زائدة». هل يكتفي جابر برؤية الخراف تذبح أمام عينيه حتى يطمئن قلبه؟ وماذا لو كانت هذه الذبائح مصابة بمرض قبل ذبحها؟ يرد جابر متهكماً «مش كل شي بدنا نعمله قضية». بدورها لم تتأثر محال بيع اللحوم والدجاج في صيدا بهلع المواطنين. يقول الحاج أحمد أبو ظهر «لحومنا طازجة ومذبوحة بالمسلخ بعد معاينة طبيب بيطري».
هذا الواقع الذي ينقله أصحاب الملاحم وروّادها لا ينطبق على جميع المواطنين الذين أخذوا حذرهم. فيذكر أحد المواطنين أن معلمة في مدرسة خاصة، طلبت من مطعم يقدّم وجبات عالمية عدم تضمين وجبته اللحم أو الدجاج، لمائة تلميذ من مدرستها كانوا يحتفلون بعيد الطفل، قائلة له «جبنة وخس وخيار وبندورة، ابعد عن الشر وغنيلو». في حين استفزّ إعلان لمطعم مشهور يقول «شو كل يوم مجدرة»، السيدة فريدة جزيني، إذ رأت فيه «إعلاناً طبقياً عنصرياً حيال أكلة شعبية». لا مجال للتشكيك بالمجدرة بعد اليوم، وهو الطبق الذي لجأت ربات البيوت إلى إعداده بكثرة هذه الأيام حرصاً على صحة عائلاتهم.
ويشير الحاج محمد الحلو، صاحب محل لبيع الحبوب في صيدا، إلى ازدياد الطلب على العدس، والحمص التركي والعدس الكندي والفول الانكليزي. البرغل لم يشنق نفسه، أيضاً هناك إقبال على شرائه. هذا الإقبال على شراء الحبوب فسّر هروباً من تناول وجبات مصنوعة من مواد قد تكون فاسدة، فـ«العدس لا مبرد ولا متلج» على حد قول ريما ناصر، مضيفة «قد يكون مسوّساً، وهذا سهل اكتشافه».



«فلافل فلافل»

إذا كان من الصعب قياس حركة بيع اللحوم جنوباً، في ظل الازدحام الذي لا تزال تشهده ملاحم المنطقة، إلا أن الإقبال الملحوظ على مطاعم الفول والحمص البلدي، يمكنه أن يعطي مؤشراً على خوف الأهالي. يقول فايز الشامي، صاحب مطعم فول إن هذه المطاعم «شغالة متل النار»، ملاحظاً الإقبال على تناولها في مختلف أوقات النهار، صباحاً وفي فترات ما بعد الظهر.
هكذا استغل «الفلافل» موقف مترددين ومقاطعين للحومات، فاقتحم بطون الكثيرين، ومن بينهم سائحة فرنسية، ايزابيل دومنتسري، اختارت تناول «الفلافل» على وجبة «تشيكن». تقول بعربية ركيكة «هذا افضل للصحة».