رغم تعرّضها لاعتداءات إسرائيلية يومية منذ سبعة أشهر، احتفلت الناقورة أخيراً بانتصارها في معركة استعادة مشاعاتها. ففي 28 آذار الماضي، أصدرت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضي هيلانة اسكندر قراراً يقضي بوضع يد بلدية الناقورة على 1200 دونم في المشاعات «كان رئيس البلدية الأسبق جواد طاهر قد سجّلها باسمه»، بحسب الدعوى التي قدّمتها البلدية. وتتألف هذه المساحة من ثلاثة عقارات تقع في خراج البلدة، استخدمها أهالي الناقورة والبلدات المجاورة مرعى لمواشيهم منذ سنوات طويلة.القرار ينهي مساراً قضائياً طويلاً بدأ قبل 24 عاماً عندما رفعت بلدية الناقورة شكوى ضد طاهر بتهمة تزوير السجلّات العقارية وتسجيل العقارات الثلاثة باسمه. وفي عام 2009، صدر قرار عن القاضي العقاري في الجنوب بإبطال عملية المسح العقاري وإعادة العقارات إلى البلدية. إلا أن طاهر استأنف الحكم لتدخل القضية في مسار قضائي عبر محاكم عدة قبل أن تحسم هيئة القضايا الملف لمصلحة البلدية.
وتبلغ مساحة العقارات العامة في الناقورة حوالي 1800 دونم تشكّل نحو 4% من مساحة البلدة. وقال رئيس البلدية عباس عواضة إن طاهر «وضع يده على 1216 دونماً من هذه العقارات، أي نحو ثلثيها، وسجّلها باسمه عام 1984، مستغلاً حريقاً التهم مستودع أمانة السجل العقاري في صيدا عام 1976 وأدّى إلى إتلاف الملفات، ليعيد مسح العقارات ويسجّلها باسمه، بعدما حصل على علم وخبر من أحد المخاتير السابقين يفيد بأنّ العقارات الثلاثة غير ممسوحة سابقاً». وأكّد عواضة أنّ «العقارات مُسحت اختيارياً عام 1950 على أنّها أملاكٌ عامة (مشاعات)، والمسح الاختياري يتم لمرة واحدة لا غير».
استناداً إلى ذلك، تقدّمت بلدية الناقورة عام 2002 بدعوى قضائية أمام المحكمة العقارية في الجنوب، وأصدرت المحكمة آنذاك قراراً نهائياً في الدعوى قضى بإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل المسح الاختياري عام 1984. إلّا أنّ هذا القرار فُسخ عام 2011 ورُدّت دعوى البلدية بعد استئناف طاهر لعدم صفة البلدية في الادّعاء باعتبار أنّ العقارات ملك للجمهورية اللبنانية التي وحدها لها الحق في المداعاة أمام القضاء.
غير أنّ الدولة لم تبدِ أي اهتمام طوال مرحلتي المحاكمة الابتدائية والاستئنافية رغم تبلّغها في بداية الدعوى لتحديد موقفها. في فترة المحاكمة التمييزية، تقدّم ممثلو الدولة بطلب التدخل في الدعوى، فرُدّ طلبها ورُدّ الاستدعاء التمييزي عام 2019، ما دفع بلدية الناقورة إلى التقدّم بدعوى لمداعاة الدولة اللبنانية بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال القضاة طالبةً إبطال القرار التمييزي.
أخيراً، أعاد القرار الجديد تصنيف هذه الأراضي على ما كانت عليه قبل عام 1950، أي من النوع المتروك المرفق كمرعى لمواشي أهالي الناقورة. مع التأكيد أنّ المالك لهذه الأراضي حالياً هو الدولة اللبنانية وليس بلدية الناقورة. وفي حال رغبت البلدية بنقل الملكية إليها، فالأمر مشروط بموافقة مجلس الوزراء عليه بناءً على اقتراح من وزيري المالية والداخلية والبلديات.
قرار بردّ ثلثي المشاعات إلى البلدية بعد ربع قرن من التقاضي


من جهة المدّعى عليه، اعتبر مصطفى طاهر نجل المدّعى عليه جواد طاهر أنّ «المعركة لم تنتهِ بعد»، مستغرباً «الهمروجة» المثارة حوله، مؤكداً المضيّ في الدعوى لأن «القرار استئنافي والكلمة الفصل للمحكمة التمييزية. وفي السنوات الماضية، ربح والدي معركتي الاستئناف والتمييز، وهو يعترض اليوم على إلغاء العمل بهما والعودة لقرار المحكمة الابتدائية الذي بَطُل بفعل القرارين اللاحقين». وأشار طاهر إلى أنّ العقارات «أراضٍ أميرية كما غيرها في الناقورة». وبحسب قانون الملكية العقارية، فإن الأراضي الأميرية هي تلك التي يكون للدولة فيها حق ملكية الرقبة، فيما يمكن أن يجري عليها حق التصرّف من قبل أفراد أو جماعات، ضمن شروط معينة وبحسب القانون. و«هذا الحق يخوّلنا الاستفادة من جميع ما يُنتجه العقار ويخوّل صاحبه حق التصرّف به من دون وقفه أو بيعه ونقل ملكيته».
إلا أن عواضة نفى أن تكون الأراضي موضوع النزاع أميرية. فـ«الخرائط التي في حوزة الدولة تشير إلى أنها كانت من الأراضي المتروكة المرفقة، أي التي تملكها الدولة ويكون للأفراد أو الجماعات فيها حق استعمال محدّدة ميزاته ومداه بالعادات المحلية أو بالأنظمة الإدارية ولا تُكتسب ملكيته بمرور الزمن». وبحسب ما ورد في القرار النهائي، وجد خبيران تابعان للدولة لدى دائرة المساحة في صيدا بعض خرائط المنطقة، ذات الصلة بالعقارات الرقم 232 و234 و363 /الناقورة، الباقية من أثر الحريق تثبت ملكية الدولة اللبنانية لها.