وبالفعل، ناقش مجلس الإدارة الاقتراح وأقرّه لتصبح الأفران مثل سائر المؤسسات، أي تعامل باعتبارها مؤسّسات تجارية تخضع لقانون العمل، ويسجّل أجراؤها في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بشكل طبيعي، ومن دون اتفاقات مواربة.
وبحسب تقارير معدّة في صندوق الضمان، فإن الأفران لم تحترم الاتفاقية أصلاً، بل اتّخذتها مطيّة لمراكمة الأرباح وزيادة هوامشها. وتشير اللجنة الفنية في الضمان الاجتماعي إلى أن هذه الاتفاقية وضعت لمراعاة المخابز والأفران كمؤسّسات صغيرة تحتاج إلى الدعم، إذ تُخصَّص حصيلة المبالغ المستوفاة على الطحين لتسديد الاشتراكات والموجبات المالية المترتّبة على أصحاب المخابز والأفران عن أجرائهم، على أن يقدّموا لوائح اسمية تفصيلية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعدد الأجراء. لكن، في كلّ عام تظهر تقارير مصلحة المحاسبة في الضمان عدم التزام عدد من الأفران في التصريح عن متوجباتها؛ فمن أصل 73 فرناً مسجّلاً، لم يلتزم 13 منها في عام 2022، وتبيّن أن هناك 16 فرناً لم تلتزم في عام 2021، و9 أفران في عام 2020، و10 عام 2019.
هكذا، حوّلت الأفران الاتفاقية عن هدفها من دعم الرغيف، إلى أداة للتهرّب من دفع الاشتراكات على أجرائها، وتعسّفت بحقّ 1287 عاملاً غير محميّين بقانون العمل؛ فلا ساعات عمل محدّدة لهم، ولا أيام عطلة أسبوعية وسنوية، ولا إجازات مرض ووفاة، ولا بدلات نقل ومنح مدرسية. والواقع، أن دعم الأفران ليس مستحدثاً، فالمخابز مدعومة أقلّه منذ عام 1980، بحسب تقرير اللجنة الفنية في الضمان الاجتماعي، فمنذ ذلك الحين، دفعت الأفران والمخابز الاشتراكات والموجبات المالية وفقاً لمعادلة قرش واحد مقابل كل كيلوغرام طحين. لاحقاً، جرى تعديل هذه المبالغ، عام 1991 أصبحت 2000 ليرة عن كل طن طحين، وعام 1999 رفع الرسم مرة أخرى وصار 10 آلاف ليرة.
فوّتت الاتفاقية 92 على صندوق الضمان مبالغ وصلت إلى 14 مليار ليرة
عملياً، خلال العقدين الماضيين، تحوّل عمل معظم الأفران والمخابز من مؤسّسات صغيرة تخدم الأحياء، إلى مؤسّسات كبيرة يغلب عليها النشاط التجاري ذي الربح الفاحش، سواء من تنويع نشاطاتها في صناعة الحلويات والمناقيش وسواها. أما عمال الأفران، فهم يقومون بكل هذه الأعمال خاضعين لاتفاقية مجحفة بحقّهم، فلا تسدّد عنهم الاشتراكات وتسويات نهاية الخدمة، إنّما فقط رسم الطحين. جشع الأفران لم يعرف حدوداً، وفقاً لما ورد في تقرير أعدّه الضمان، إذ إن بعض الأفران تغشّ في تسديد الرسوم وتصرّح بكميات طحين أقلّ بقليل من تلك التي تستخدمها، إذ إن كميات الطحين المصرّح عنها «لا تعدو كونها كميّة لفرن مناقيش صغير» وفق التقرير. كما لحظ التقرير وجود تفاوت بين عدد الأجراء الكبير في بعض الأفران، مقارنةً مع كمية الطحين المصرّح عنها، بالإضافة إلى وجود أفران تتعاطى أعمال السوبرماركت، أو محال بيع الحلويات، ويغلب عليها هذا النشاط، ويعاملها القانون في المقابل على أنّها مخبز صغير من الواجب دعمه.
خلال 4 أعوام فقط، من عام 2019 حتى 2022، فوّتت الاتفاقية مع الأفران التي تحمل الرقم 92، على صندوق الضمان، مبالغ وصلت إلى 14 مليار ليرة، إذ دفعت الأفران اشتراكات بحسب طن الطحين بلغت قيمتها 8 مليارات ليرة، بينما توجّب عليها دفع 22 ملياراً وفقاً للمادة 71 من قانون الضمان الاجتماعي، وفقاً لتقرير اللجنة الفنية التي أشارت إلى «إنهاك مديرية التفتيش في الضمان بمعالجة ملفات نهاية الخدمة الخاصة بأجراء المخابز والأفران من دون جدوى، بالإضافة إلى الفوضى في إدارة ملف الأفران بسبب النقص الدائم في البيانات لتخلّف الأفران عن التصريح، وعدم الانتظام في إرسال جداول الطحين من قبل وزارة الاقتصاد».