أقل من 30 يوماً تعليمياً أمام انقضاء العام الدراسي وتحضّر الطلاب للامتحانات الرسمية، فيما لا يزال أكثر من 10 آلاف طالب في المنطقة الجنوبية حيث تدور الحرب خارج أيّ خطة طوارئ تعليمية واضحة، تأخذ في الاعتبار اختلاف ظروفهم، وتباين الصورة جغرافياً بين مدارس في خطوط المواجهة على الحافة الحدودية، وأخرى متأثّرة بالعدوان في المنطقة الأبعد عن الشريط، وثالثة متأثّرة بارتدادات الحرب، خصوصاً لجهة النازحين إليها كما في صيدا وصور والنبطية. أما الخطة الوحيدة التي أطلقتها وزارة التربية، مدعومة من «اليونيسف»، باستحداث مراكز استجابة للطلاب النازحين من محافظتَي الجنوب والنبطية، فلم تحلّ الفوضى بقدر ما عقّدت الأمور، إذ يتداول مديرو مدارس رسمية روايات عن «عدم جدية الأساتذة الذين يقصدون مراكز الاستجابة للتدفئة ويمضون ساعات تعليمهم باللعب مع الأطفال»، فضلاً عن التوظيفات والمحسوبيات التي تحكم اختيارهم. ويبقى «التعتيم على عدد المراكز ومواقعها وآلية عملها أكثر ما يقلقنا»، بحسب مدير ثانوية كفرا الرسمية فؤاد إبراهيم، إذ لا يعرف الأخير شيئاً عن طلابه الملتحقين بمراكز الاستجابة منذ أن سلّم الوزارة بياناتهم، كما أن «الطلاب أنفسهم يجهلون كل ما يخصّ ملفهم الطالبي وآلية احتساب علاماتهم النهائية».ومع دخول الحرب شهرها السادس، تتخذ الأوضاع التربوية جنوباً مساراً حرِجاً. فبناءً على قرار وزير التربية عباس الحلبي، مُنح مديرو المدارس الجنوبية حرية اختيار شكل التعليم الذي يجدونه مناسباً. هكذا قرّرت مدارس وثانويات واقعة في منطقة الاشتباكات، مثل كفرا وشقرا ومجدل سلم وغيرها، عدم الإقفال، «فصرنا لا معلّقين ولا مطلّقين، نفتح أبوابنا لـ 85% من الطلاب بحضور جميع الأساتذة لتعزيز صمود الأهالي، لكن بصورة غير منتظمة. فأيّ غارة على البلدة أو على القرى المجاورة توقف الدروس وتقفل الثانوية»، يقول إبراهيم، مشيراً إلى أن الـ 15% من الغائبين ينقسمون بين من التحقوا بمدارس قريبة من مناطق نزوحهم ومن انقطعوا بشكل كامل عن التعليم لأسباب مختلفة، من بينها عدم إمكانية الوصول إلى المدرسة بسبب الظروف الأمنية، أو عدم توفر مدارس قريبة من أمكنة نزوح البعض وعدم القدرة على تسديد بدلات النقل. ويلفت إبراهيم إلى أنّ بدل النقل الشهري (20 دولاراً) الذي وعدت منظمة «اليونيسف» بتقديمه للطلاب النازحين في الجنوب، «لم يصل إلى الجميع».
في متوسطة حولا الرسمية، مثلاً، ينقسم 226 طالباً مسجّلاً بين من يتابعون تحصيلهم «أونلاين» ومن التحقوا بمدارس قريبة من مكان نزوحهم. الـ «أونلاين»، بحسب مديرة المتوسطة عتاب قاسم، «تخللته مشاكل وثغرات عديدة عندما حُجرنا في منازلنا لدى انتشار جائحة كورونا، فكيف الحال اليوم حيث الطلاب والمعلمون عرضة للقصف في قراهم أو غادروها إلى مراكز نزوح ذات ظروف حياتية صعبة؟»، مشيرة إلى أن التعليم عن بعد قد ينجح في المدارس الخاصة حيث يتوافر فريق إداري كبير يدير العملية بنجاح، وإمكانات لوجستية وتقنية متطورة، كما يسهل تطبيقه على الطلاب الأكبر سناً وتتوفّر لديهم أجهزة موصولة بالإنترنت ودافعية كبرى للنجاح خصوصاً لدى طلاب الشهادات الرسمية. لذلك «تسير تجربة التعليم عن بعد في ثانوية عيترون الرسمية بشكل مقبول، إذ يؤدّي جميع الأساتذة مهامهم، ويسجلون الحضور الذي وصلت نسبته إلى 90%»، بحسب الناظر صادق قطيش. لكنه لا يخفي «صعوبة التقييم الدقيق وعدم جهوزية عدد من الأساتذة لمواكبة التعليم الإلكتروني لجهة تحضير الدروس وشرحها».
بدل النقل الشهري الذي وعدت «اليونيسف» بتقديمه للطلاب النازحين لم يصل إلى الجميع


ورغم هذه المشاكل كلها، تتجاهل وزارة التربية شريحة من الطلاب انقطعت عن التعليم كلياً لدى دراستها الإجراءات الخاصة بطلاب الجنوب، وتعتبر هؤلاء «متلكّئين لأننا وفّرنا لهم كل السبل اللازمة للوصول إلى التعليم الحضوري والأونلاين»، وفق مصدر في وزارة التربية. ويلفت إلى أن خطة مراكز الاستجابة «عُدّلت بعد الاعتراضات على عدم انسجام مواقعها مع خريطة توزّع النازحين، وأعيد تحديد سبعة مراكز جديدة للاستجابة في أقضية صيدا، صور، النبطية وبنت جبيل، تصلها مساعدات تشمل بدلات النقل والحواسيب للأساتذة والألواح الذكية للطلاب». ويشدّد على أن «الخطة لم تفشل. لكنها لم تنجح بطريقة ممتازة لأن هناك نازحين خارج محافظتَي الجنوب والنبطية لم تشملهم مراكز الاستجابة. كما أن هناك أموراً لا قدرة للوزارة على إيجاد حلول لها، كأزمة الإنترنت في الجنوب مثلاً».
وفي ما يتعلق بالامتحانات الرسمية، أشار المصدر إلى أن الوزارة لا تزال تدرس «الإجراء الخاص» بطلاب الجنوب، و«يبحث المركز التربوي للبحوث والإنماء في تقليص المناهج، من دون التطرق إلى المواد الاختيارية، كما لم يتخذ القرار بعد بمن يشملهم الإجراء في منطقة الجنوب، لكنّ الثابت شموله طلاب محافظتَي الجنوب والنبطية». علماً أنّ الامتحانات الرسمية تبقى أولاً وآخراً رهينة تطورات الميدان، فيما يؤدي تأخير البت فيها إلى إرباك المؤسسات التربوية والطلاب على حد سواء.