تستمرّ جولة 150 شاباً مغترباً في المناطق اللبنانية حتى نهاية شهر تموز الجاري، بدعوة من الجامعة اللّبنانيّة الثقافيّة في العالم. اللقاء المركزي كان في ميفوق (قضاء جبيل). الشبان المتحدّرون من أصول لبنانيّة، أتوا من 18 بلداً، استضافتهم ميفوق بالتنسيق مع مبادرة «جذور ورؤية». وأتاح للمغتربين المشاركين إجراء جولة ميدانية على مواقع سياحية وتاريخيّة في ميفوق، تبادلوا خلالها الثقافات وتعرّفوا على العادات والتقاليد اللبنانيّة. تنقّل هؤلاء، فخورين بحمل العلم اللبناني، في المعرض التراثي للتحف القديمة ودير سيّدة ميفوق وكنيسة سيّدة إيليج الأثريّة. واختتم اللقاء بعشاء قرويّ وسهرة فنيّة في ساحة مقهى نبع الحريش، فتناولوا مأكولات مصنوعة بمحبّة من أيادي أفراد من البلدة.
«تلقّينا أكثر من 800 طلب من بلدان العالم للانضمام إلى رحلتنا إلى لبنان، لكنّ المغتربين الذين استطاعوا المشاركة يبلغ عددهم 150 شخصاً»، يكشف نبيه الشرتوني، الرئيس العالمي للجامعة اللّبنانيّة الثقافيّة في العالم. ويلفت لـ«الأخبار» إلى أنّ المشاركين في اللقاء المنظَّم هم ما بين 18 و30 عاماً، وُلدوا في دول الاغتراب ومعظمهم يزور لبنان للمرّة الأولى.

عن هدف المبادرة، يؤكد الشرتوني أنّه «واجب وطني، فالشباب المغترب هو مستقبل لبنان، ونسعى إلى عدم إطفاء الشعلة الموجودة في نفسه تجاه وطنه الأمّ». من هنا، تعمل الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم على مساعدة الشبيبة المغتربة على التواصل مع أقاربهم، وتحديد القرى أو المدن التي ينتمي إليها بعضهم الذي لا يعرف إلى أي منطقة يعود أصله.

ويعتبر أنّ «المميّز في هذه المبادرة هو توقيتها لأنّها بمثابة تحدٍّ للأوضاع الصعبة، كما أنّها تؤكّد أنّ لدى المغتربين القدرة على النهوض بالوطن الذي تبقى استعادة الثقة به أولويّة».

أورسولا البالغة 29 عاماً، وُلدت في البيرو وليست على صلة بأحد من أقاربها في لبنان. حلم جدّها بمعرفة إلى أيّ منطقة تنتمي عائلته اللبنانيّة دفعها إلى زيارة لبنان للمرّة الأولى، متمسّكة بأمل العثور على أقارب لها، علّها تصل إلى خيوط ترشدها إلى جذور عائلتها لجهة أمّها. تزوّدت أورسولا بمعلومة واحدة هي أنّ قرية عائلتها تقع ضمن النطاق الممتدّ من بيروت حتّى دير القمر، لكنّها تسعى إلى جمع معلومات إضافيّة تمكّنها من تحديد المنطقة بدقّة. وتقول عن رحلتها: «عشقت كل رقعة زرتها في لبنان، الكلمات لن تساعدني على التعبير عن سعادتي بهذه التجربة التي سأتشاركها مع أسرتي فور عودتي». وتشير إلى أنها ترغب في افتتاح مطعم يعدّ مأكولات لبنانيّة في البيرو.

من المكسيك، أتى راي إلى لبنان الذي كان قد زاره للمرّة الأولى بعمر 18 عاماً، أي بفارق 12 عاماً بين الزيارتين. تتوزّع عائلته بين الدبيّة في قضاء الشوف وضهور الشوير، لكنّ أسرته تعيش في المكسيك التي انتقل إليها جدّه منذ زمن. لا يستبعد راي فكرة إنشاء مشروع خاص به في لبنان، قائلاً: «نرغب دائماً في العودة إلى جذورنا».

بُعْد المسافة بين لبنان وكندا لم يمنع مارك من زيارة وطنه للمرّة الرابعة للقاء أقاربه، لا سيّما أنّ زيارته الأخيرة كانت قبل سنوات.

التجربة الشخصية التي عاشها في الاغتراب، لمدّة 15 عاماً، ابن بلدة ميفوق بشير الياس، مؤسس مبادرة «جذور ورؤية»، دفعته إلى المساهمة في تحقيق حلم الشباب المغترب بإعادته إلى جذوره وتعريفه على بلدة ميفوق. من هنا، شدّد على ضرورة أن تكون نظرة هذه الأجيال للمستقبل مبنيّة على حبّهم لجذورهم وثقافة وطنهم الأمّ.
ودعا إلى «العمل على تحسين الوضع في لبنان ولو بمبادرة صغيرة محليّة، كلّ في قريته أو مدينته، للوصول إلى الوطن الذي نريد».

في السياق، يعيدنا المعرض التراثي للتحف القديمة في ميفوق إلى زمن الأجيال السابقة. يشرح صاحبه شربل سلامة، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ التحف والمقتنيات المعروضة التي يعود بعضها إلى أكثر من سبعين عاماً، جمعها بنفسه من مختلف المناطق اللّبنانية واستغرق ذلك عشر سنوات. يضمّ المعرض أدوات للطبخ وأخرى كانت تُستَخدم في صنع المشروبات والمأكولات ومعدّات طبّيّة وهواتفَ وعتاداً للنجارة والكهرباء وعربتَي خيل نقلهما من سويسرا وخزنة نقلها من فرنسا وغيرها.
يهدف سلامة، من خلال معرضه، إلى «تعريف الأجيال الحالية على طريقة عيش الجيل القديم وما عاناه الأهل والأجداد في حياتهم، على عكس أيّامنا هذه التي باتت سهلة بفعل التطوّر التكنولوجي»، بحسب قوله. ويفتح المعرض أبوابه حتّى الثاني عشر من أيلول المقبل.