شهادة البريفيه التي اقتبسناها عن النظام التربوي الفرنسي وحوّلناها لغوياً وكأنها كلمة عربية، رغم ترجمتها بداية إلى شهادة التعليم الابتدائي العليا ولاحقاً شهادة المرحلة المتوسطة، حظيت بجدل واسع بين التربويين، أخيراً، حول إلغائها أو الإبقاء عليها مع كل الإشكالات المرافقة لها.كان لوجود هذه الشهادة مبرراته ضمن المناهج سابقاً، إذ إن من يحصّل البريفيه كان قادراً على دخول دار المعلمين، أو الحصول على وظيفة في الدوائر الحكومية، وتسمح له بالترقي في عمله. وأُفسح المجال لاحقاً، في السلك العسكري، لحاملي البريفيه بالتقدم إلى اختبارات مدرسة الرتباء.
مع الوقت، وانتشار التعليم بشكل واسع وتحصيل المتعلمين شهادات عليا، لم تعد للبريفيه تلك الأهمية الوظيفية سوى أنها أحد صفوف السلّم التعليمي. وبدأت المؤسسات الحكومية اللبنانية تفرض البكالوريا القسم الثاني أو شهادة التعليم الثانوي كأدنى مستوى علمي مقبول لأي وظيفة، ففقدت شهادة المرحلة المتوسطة دورها، منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين. لكنّ النظام التربوي استمر في إجراء امتحانات رسمية فيها من دون مبرر. وقد تقدّمنا في المركز التربوي، عام 2001، بطلب إلى وزارة التربية لإلغاء هذه الشهادة نظراً إلى فقدانها الدور الذي كان لها، وكانت تُفترض موافقة الوزير، ثم مجلس الوزراء. إلا أنه لم يحصل أي تعديل على الواقع وبقيت الشهادة الرسمية.
بعد قرار الحكومة، أمس، إلغاء شهادة البريفيه لهذه السنة، ما هو الأثر الإيجابي للقرار على تحصيل التلامذة؟
نظراً إلى أن تلامذة المدرسة الرسمية لم يستطيعوا إنجاز المنهج الأساسي لهذه الشهادة، وللكلفة المالية التي على الوزارة تكبّدها من دون توفّر الاعتمادات لذلك، أتى القرار ليعالج مشكلة ظرفية وليس حلها بشكل دائم. واستفاد التلامذة جميعاً في الرسمي والخاص منه، سواء أنهوا منهج هذا الصف أم لا. لكن، وبهدوء، هل يجب إجراء امتحانات حكومية في هذه الشهادة؟
تقع هذه الشهادة في نهاية مرحلة التعليم الأساسي، ولا أهمية لاختبار حكومي للقول إن الناجح أنهى هذه المرحلة وأصبح مؤهّلاً لكذا وكذا. فالصف التاسع كالصف الذي قبله أو بعده. ومعظم دول العالم ليس لديها امتحانات حكومية لإنجاز مرحلة والبدء بأخرى. فلماذا لم ينظر أصحاب القرار إلى موضوع الامتحانات الرسمية من زاوية أخرى، نظرة أكاديمية بحتاً، ويقرروا إلغاءها كلياً؟
عندما تكون امتحانات البريفيه واجبة، ترافقها إرباكات نفسية لدى بعض التلامذة، وعمليات غش كثيرة لدى البعض الآخر، و«واسطات» ممهورة بالفساد، وكلفة مالية كبيرة لا يمكن تبريرها من أجل امتحانات غير نزيهة كما يفترض. وعندما تُلغى هذه الشهادة، ستتم معاملة تلامذة الصف التاسع في المدرسة بجدية كتلامذة الصف الثامن أو العاشر، ونقصد بجدية أن المتعلم يعرف منذ بداية السنة الدراسية أنه لن ينتظر حتى نهاية السنة ليكتشف ما إذا نجح أو رسب، يل سيكون التقييم التكويني المرافق لعمله ونشاطه اليومي هو ما سيتم احتسابه. فبدل مسابقة في ساعة أو ساعتين تقرر قدراته في الرياضيات مثلاً، وحتى نجاحه أو فشله، يكون البديل هو متوسط ما يحصّله طوال العام الدراسي في هذه المادة وغيرها. وهكذا يتوفر مبدأ العدالة في التقييم في المواد كلها. وحتى الذين يعتمدون على الغش والواسطة، ويهملون الاهتمام بتحسين أدائهم الدراسي خلال السنة، سيجدون أنفسهم مضطرين للعمل بجد وجهد كي ينجحوا في الاختبارات المدرسية. وبالنسبة إلى المعلم، سيكون تعامله مع تلامذة هذا الصف كباقي تلامذة الصفوف، وكذلك إدارة المدرسة. والأهل سيعيشون السنة التي يكون فيها ابنهم أو ابنتهم في البريفيه من دون أي ارتباك بالنسبة إلى نجاحه (ها) أو رسوبه (ها).
كما أن إلغاء البريفيه الدائم يساهم بتوفير مبلغ كبير من المال، غير متوفر لدى الوزارة، خصوصاً في هذه الظروف الاقتصادية، وبدل أن تطلب الحكومة مساعدة من مؤسسات دولية لدفع التكاليف، يمكنها أن توفر بعض ماء الوجه جراء استعطاء الدول والمنظّمات. كما أن العمليات غير النزيهة التي ترافق هذه الامتحانات عادة وتُلصق بالوزارة، لن تعود موجودة، ما يخفف عنها تحمل مسؤولية هذه الاتهامات.
وكسؤال للتفكير به بحيادية ومسؤولية: ألم يحن الوقت ليكون القرار التربوي في لبنان مبنياً على معطيات أكاديمية فقط، ولا يأخذ في الحسبان سوى مصلحة المتعلم والوطن، هذا إذا كان هذان العنصران يردان في أذهان أصحاب القرار؟

* الرئيس السابق للمركز التربوي للبحوث والإنماء