كشف مسح أجرته «منصة مدينة المستأجرين»، التابعة لـ«مختبر المدن» في «الجامعة الأميركية في بيروت»، عن فروق شاسعة في الإيجارات بين الوحدات السكنية، حتى في المنطقة الجغرافية عينها، بلغت في بعض الأحيان عشرة أضعاف. كما أظهر المسح عجز المستأجر عن دفع قيمة الإيجار وتلبية خدماته الأساسية، إذ تبيّن أنّ نحو 85% من دخل الأسر يذهب أوتوماتيكياً لدفع قيمة الإيجار، وقد وصل في بعض الأحيان الى 150%، مع لحظ حصول معظم هذه الأسر على مساعدات مادية، إما من جمعيات (25% من الأسر) أو من عوائلهم في الخارج (20% منها)، لتغطية قيمة الإيجار. وفي حال كانت قيمة الإيجارات منخفضة، كمنطقة «الكرنتينا» على سبيل المثال، التي قد تقدّر بنحو 40$ للوحدة السكنية الواحدة، تقول منسقة الأبحاث في «مختبر المدن» عبير زعتري، إنّ ما يزيد الأعباء على المستأجر عجزه عن تسديد قيمة باقي الخدمات الرئيسية لسكنه (كالكهرباء والمياه وخدمات المبنى). المسح الذي طال 2200 وحدة سكنية في بيروت أظهر أيضاً أن معظم الإيجارات (50%) أبرمت شفهياً، فيما وقّعت 15% من الأسر عقوداً خطية لكنها غير مسجلة في البلدية. ولعلّ الطامة الكبرى تتعلق بدولرة هذا القطاع الذي بدأ العام الماضي، إذ أظهر المسح أن نحو 30% ممّن شملتهم الدراسة كانوا يسدّدون قيمة الإيجار بالليرة اللبنانية، ولدى انتقالهم الى وحدة سكنية جديدة باتوا يدفعون بالدولار الأميركي (حوالي 73% من الأسر).

ندرة المعلومات
تظهر النتائج الأولية لهذا المسح ملامح الظلم الذي يتعرّض له المستأجر، في ظلّ تحكّم المالكين بسوق الإيجارات وتعديلهم للأسعار تبعاً لصلاتهم الشخصية بالمستأجرين، أو حسب توقعاتهم للقدرات المادية لهم وخاصة اللاجئين السوريين الذين يحصلون على مساعدات مالية في هذا المجال. إلى جانب استغلال المالكين ندرة المعلومات في هذا القطاع، واستضعاف المستأجرين مع محدودية خياراتهم وخوفهم من تعرّضهم مرة جديدة للإخلاء.
وشكّل غياب المعلومات، إضافة إلى استفادة المالكين من فوضى سوق الإيجارات والتحكم بقيمة الإيجار وشروط السكن، سبباً دفع بـ«مختبر المدن» إلى إطلاق «منصة مدينة المستأجرين». وهي منصة تفاعلية وضعها الباحثون بين أيدي المستأجرين في بيروت، توثّق شروط الإيجار وأسعاره والتفاصيل الإضافية عن الظروف السكنية وعدد الغرف من وجهة، وتتيح للمتصفّح الباحث عن شقة سكنية في بيروت الإدارية أن يتعرّف أكثر على الأسعار والظروف المصاحبة للسكن، من جهة ثانية.
وهدف القيّمون على هذه المنصة إلى إتاحة الوصول الى المعلومات وتحسين ظروف المستأجرين، مع الحفاظ على خصوصيتهم وإخفاء هويتهم، ولا سيّما أولئك الذين زوّدوا المنصة بمعلومات عن طبيعة وظروف سكنهم. وتصف زعتري، في حديث مع «الأخبار» منصّة مدينة المستأجرين (متاحة باللغتين العربية والإنكليزية) بـ«المبادرة بين المستأجر والمستأجر». فقد طُوّرت المنصة برأيها لتطال جميع الفئات الاجتماعية، ولتتيح تأمين سكن لها، إلى جانب «تعزيز الشفافية»، ومحاربة ندرة المعلومات في قطاع الإيجارات. تدخل المنصة في تفاصيل عقود الإيجارات وعدد غرف الوحدات السكنية، وفي كيفية إبرام العقود إن كانت شفهية أو خطية. الهدف من كل هذه «الداتا» كما تقول زعتري، «تقوية وضع المستأجر وتمكينه من مفاوضة المالك، وخاصة في حال اضطراره إلى الانتقال الى سكن آخر أقلّ كلفة». هكذا، توصل المنصّة أسعار الإيجارات الواقعية، من خلال عرضها إما على جداول أو على شاكلة رسوم بيانية، يتمّ تحديثها على الدوام.
لا تقدم المنصّة نفسها كبديل من السياسات العامة في البلاد، كما تقول زعتري، بل ينحصر دورها في كونها أداة تسعى الى «تصحيح السوق»، وتسليط الضوء على الحقّ بالسكن، وتمكين المستأجر بالتالي من مفاوضة المالك.