قبل ثلاثة أشهر ونصف شهر تقريباً، عُثر على جثة رجل في العقد الخامس من العمر في خراج بلدة حورتعلا ـ شرقي مدينة بعلبك. حضرت القوى الأمنية وشرعت في تحقيقاتها لكشف الملابسات، وكانت العلامات الأولية تشي بجرعة زائدة من المخدرات. نُقلت الجثة إلى مستشفى بعلبك الحكومي حيث عاينها الطبيب الشرعي، وتبيّن فعلاً أن الوفاة ناجمة عن جرعة زائدة من المخدرات. لكن المشكلة أنّه لم يُعثر في ثياب الرجل على أي بطاقة أو مستند يشيران إلى هويته الشخصية.
نقلت الجثة بتاريخ 8/7/2022 إلى براد الموتى في المستشفى الحكومي في بعلبك بعد مخاطبة الأجهزة الأمنية للقضاء، وقد أشار الأخير إلى الإبقاء على الجثة في المستشفى إلى حين التعرّف على هوية صاحبها، أو تعرّف أحد ذويه على الجثة، بعد الإعلان عنها من قبل مديرية قوى الأمن الداخلي. مرّت الأيام وكذلك الأسابيع وحتى الأشهر، ولم يسأل أحد عن صاحب الجثة التي لا تزال حتى اليوم في براد المستشفى. وقد شدّدت مصادر أمنية على أنه «لا يمكن اللجوء إلى أي خطوة من دون إشارة قضائية من المدعي العام، وبناءً على الإشارة يمكن التصرّف».

مصادر مطّلعة أوضحت لـ«الأخبار» أن الجثة بدأت «التحلّل» بسبب عوامل عدة، منها الفترة الزمنية الطويلة نسبياً، وانقطاع الكهرباء. وقد حاولت «الأخبار» التواصل مع إدارة المستشفى مرات عدة من دون جدوى، علماً أن وقفية التنمية المستدامة والأعمال الخيرية كانت قد أعربت مرات عدة عن رغبتها في تسلّم الجثة ودفنها في مقبره بعلبك، تحت أيّ مسمى كان، وحتى طائفة، لكنها كانت تُقابل دائماً برفض تسليم الجثة، إلا بناءً على إشارة القضاء!

يؤكد الشيخ بكر الرفاعي لـ«الأخبار» أنّ «من غير المسموح الإبقاء على الميت فترة طويلة دون دفنه، فإكرام الميت دفنه، فكيف الحال مع ميت وصل بدنه حدّ التحلّل؟! وتحت أي ذريعة كانت، فإشارة القضاء ضرورية ولكن ثمة ما هو أولى، فماذا لو لم يتمّ التعرّف على هوية الرجل؟ هل سيترك في برّاد الموتى في المستشفى من دون دفن؟!».

ويلفت الرفاعي إلى أن «بإمكان القضاء أخذ عينّة من حمض الرجل النووي والاحتفاظ بها، على أن تسلّم الجثة إلى وقفية التنمية المستدامة والأعمال الخيرية التي أعلنت استعدادها لتسلّم الجثة ودفنها في مقبرة بعلبك الجديدة على طريق بلدة نحلة، ويمكن إن تبيّنت هويته لاحقاً إبلاغ ذويه بمكان دفنه». ويكشف أن الوقفية لا تزال تنتظر قرار القضاء، وبمجرد منح الإشارة القضائية يمكن دفن الميت في غضون أربع ساعات.

حاولت «الأخبار» التواصل مع المدعي العام في بعلبك من دون جدوى أيضاً، في مقابل تأكيد مصادر قانونية أن على «الأجهزة الأمنية إعادة لفت نظر المدعي العام إلى حالة الجثة في براد المستشفى الحكومي وتحلّلها وضرورة تسليمها من أجل الدفن، إذ لا يمكن الإبقاء عليها من دون البتّ بأمرها لما في ذلك من مسؤولية تطال الجميع».

ولفتت مصادر قانونية الى أن الأجهزة الأمنية «تتحمّل مسؤولية التقاعس في إعادة المحاولة مرات عدة على القضاء للحصول على إشارة جديدة، إذ من الممكن أن تكون الإشارة القضائية قديمة ونُسي أمرها من قبل الأجهزة الأمنية». وعليه، يبقى أن على الأجهزة الأمنية والقضاء البتّ سريعاً بأمر الجثة وعلى مبدأ «إكرام الميت دفنه» وليس حفظه حتى يتحلّل!