تحكي قصة صوفية قديمة أن قافلة التقت الطاعون في الصحراء فسأله صاحبها عن وجهته فأجاب أنه ذاهب إلى بغداد ليخطف أرواح ألف من أهلها. وفي طريق العودة التقى صاحب القافلة الوباء من جديد، فبادره سائلاً باستهجان: «لقد أخبرتنا أنك ستقتل ألفاً من أهل بغداد، لكنك قتلت 30 ألفاً!». فأجاب الطاعون: «قتلت ألفاً، لكن الباقين ماتوا خوفاً».
لهذه الحكاية مسوغ علمي مرتبط بعلاقة وطيدة بين جهازنا المناعي و جهازنا العصبي. إن المناعة العصبية (neuroimmunology) هي علم قائم بذاته، يجمع بين دراسة الجهاز العصبي وعلم المناعة. يسعى علماء المناعة العصبية إلى فهم تفاعلات هذين النظامين المعقدين بشكل أفضل أثناء التطور، والاستجابة للإصابات الوبائية، وذلك لفهم أعراض بعض الأمراض العصبية، التي ليست لها مسببات واضحة.

اكتشف الباحثون أنه كلما زاد الضغط النفسي، زادت الإصابة بالعدوى بشكل عام ـــ من منّا لا يذكر إصابته بعوارض مرضية جراء الضغوط النفسية، كأيام الامتحانات العصيبة مثلاً.

الآن يتساءل بعض الباحثين عما إذا كان الإجهاد و التوتر المزمنان من الأسباب التي تجعل عدوى Covid-19 أسوأ. تطورت أجسادنا لتستجيب للمواقف العصيبة، الجسدية والعاطفية، ويُطلق على هذه الاستجابة اسم «القتال أو الهروب»، وهي تساعدنا على التعامل بسرعة مع الخطر. ولكن عندما يصبح التوتر طويل الأمد، يمكن أن تكون ردود الفعل اللاإرادية ضارة جداً. فقد يخلق التوتر التهاباً مزمناً يضر بالأنسجة، وكذلك، يقمع الخلايا المناعية، فيحدث اختلالاً في وظائف المناعة ويؤدي بالجسم إلى إفراز هرمون الكورتيزول. هذا الهرمون، يطلق موادَّ في الجسم تسبب الالتهاب، ويعمل أيضاً على تعطيل أجزاء من الجهاز المناعي فتتلاشى قوته في محاربة العدوى.

بعد أكثر من سنتين على جائحة كورونا ما زلنا نتعامل معها على أنها كابوس لا بد أن نستفيق لنجده قد اختفى. لكن الحقيقة هي أن الفايروس واقعٌ لا مفر منه، حبذا لو تعاطينا معه بكثير من الحذر الواعي وابتعدنا عن المبالغة غير المجدية، فلا يمنعنا الخوف من متابعة حياتنا وحياة أطفالنا.
الأكيد أننا بتنا نعرف الآن أكثر عن طبيعة العدوى وسبل الوقاية منها، عمّا كنا نعرفه قبل عامين. للأسف، الإقناع أصعب بأشواط من التخويف. إذ لا يواجه قلة من طالبي الشهرة أو أصحاب نظرية المؤامرة صعوبات كبيرة في تخويف الناس، بينما يجد علماء رصينون صعوبة كبرى في الإقناع بالحقائق العلمية الدامغة.

عليه، فإن العودة إلى الحياة الطبيعية أصبحت أمراً منطقياً، وعودة أطفالنا إلى المدارس أولوية لا يسبقها شيء. كان صادماً ما حصل في فترات الإقفال السابقة، حينما أغلقنا مدارسنا كإجراء أولي لعامين دراسيين، فيما بقية دول العالم لم تتخذ إجراءات راديكالية من هذا القبيل إلا في أوج الموجة الوبائية.
في أغلب بلدان العالم لم يكن التعليم عن بعد ناجعاً للمراحل ما دون الجامعية. المضحك المبكي في لبنان كان مشهد المقاهي المفتوحة والتي كان من روادها بعض الطلبة الذين أقفلت مدارسهم بسبب الجائحة. إذن، كيف السبيل لانتظام التعليم في وطننا المنكوب بأزمات لا تنتهي، أخطرها ما أصاب نظامنا الصحي المتهالك.
في ظل الموجة الوبائية الجديدة التي تعمّق جراح هذا البلد، يبدو أن الانتظار ليس خياراً، بل ضرورة، علّه يكون مرحلياً. إقفال مدارس وافتتاح أخرى، جعل بعض التلاميذ يذهب إلى المدارس بينما يحرم أترابهم من الدراسة. لزامٌ علينا أن نقوم بوضع خطط واضحة لإنقاذ المستوى التعليمي، وإلا قتلنا الجهل لا (و) الكورونا.

* أستاذ في الجامعة اللبنانية، منسّق برنامج الماستر في علم المناعة