تعتبر الإنفلونزا الإسبانية واحدة من أكثر الأوبئة فتكاً في التاريخ. فقد حصدت أكثر من 50 مليون ضحية على مدى يقارب السنتين قبل الخلاص منها في عام 1920. يعتقد العلماء أن المجتمع نجح في ذلك العام أن يطور مناعة على رغم أن فيروس الإنفلونزا لا يزال موجوداً حتى يومنا هذا.
تتحقق المناعة الجماعية أو مناعة الجماعة أو مناعة القطيع عندما تصبح نسبة كبيرة من المجتمع محصّنة من المرض، إما بسبب الإصابة السابقة بالعدوى أو بالتلقيح. شرط أن يحصل ذلك على نطاق واسع وضمن مهلة زمنية قصيره لا تعطي مجالاً لظهور متحوّرات جديدة للميكروب المعدي، تملك القدرة على الهروب من المناعة المكتسبة. هذا ما لم يحصل مع جائحة كورونا، حتى زمن قريب. لكن في ما يلي، سأحاول تفسير حقيقة أننا قد نكون أمام فرصة سانحة للوصول إلى «سيناريو» مناعة مجتمعية مع تفشي العدوى بمتحوّر كورونا الجديد، «أوميكرون».

الانتشار السريع المترافق مع عوارض أخف قد يكونان من «مقادير» الوصفة السحرية للوصول إلى مناعة القطيع. الدراسات حول سرعة انتشار المتحوّر المكتشف في نهاية تشرين الثاني الماضي وضعف حدته توحي باحتمالية مناعة مجتمعية.

أصبح من الأمور المؤكدة التي لا تحتمل الشك أن «أوميكرون» هو أسرع متحوّرات كورونا انتشاراً على الإطلاق. الأرقام الحديثة التي نشرها موقع «بلومبيرغ» تشكل إشارة واضحة إلى سرعة الانتشار هذه. فبحسب الموقع المذكور؛ سجل الاثنين الماضي، حصيلة قياسية للإصابات اليومية بالفيروس بلغت 1.44 مليون إصابة حول العالم، وقد تجاوزت هذه الحصيلة نظيرتها المسجلة سابقاً في كانون الأول من العام 2020، في ظل تفش واسع للمتحوّر الجديد.

اللافت ما ذكر أيضاً عن أن عدد الوفيات اليومية بكورونا لم يشهد ارتفاعاً ملحوظاً يحاكي العدد المتعاظم للإصابات. إذ لا يزال عند حدود سبعة آلاف حالة وهو أمر يبعث على التفاؤل على رغم الشعور بالأسف على كل من فقدوا ويفقدون أحبتهم بسبب هذه الجائحة المريرة.

هذا ما تعززه التقارير، حول طبيعة السلالة الأكثر اعتدالاً، التي بدأت تخرج من عدة مختبرات ومراكز بحثية حول العالم. فالوارد من جنوب أفريقيا أن خطر الاستشفاء جراء الإصابة بـ«أوميكرون» ينخفض بنسبة 80% مقارنة مع المتحوّرات الأخرى، و حتى المرضى الذين ينتهي بهم الأمر في المستشفى يقضون وقتاً أقل هناك. يصيب «أوميكرون» غالباً الجهاز التنفسي العلوي فيبتعد قليلاً عن الرئتين اللتين كانتا أكثر حساسية مع المتحورات السابقة.

الخبر الجيد هو الحماية التي تؤمنها الأجسام المضادة الناتجة من الإصابة بـ«أوميكرون» في مواجهة متغيرات كورونا الأخرى مثل «ألفا» و«دلتا». لذا، ومن ناحية مبدئية، يمكن لـ«أوميكرون» أن يحل محل متغيّر «دلتا» الشديد الإمراض. وعلى رغم أنه أقل شراسة، واجبنا أن نبقى متيقظين، لأنه قد يؤدي إلى كارثة حقيقية إذا انتشر بسرعة تتجاوز طاقة النظام الصحي.

العِلم بالتاريخ يساعد دائماً على استشراف المستقبل، ولا يشُذ تاريخ الأوبئة عن هذه القاعدة. هل تكون 2022 عام مناعة الجماعة ضد كورونا كما كان 1920 بالنسبة للإنفلونزا الإسبانية؟ وهل تكون مدة السنتين قاسماً مشتركاً بين جائحتين؟ إنها ليست «مجرد أمنية على أعتاب السنة الجديدة»، بل إنه، كما أسلفنا، أملٌ مقرونٌ بأرقام حقيقية ومؤكدة.

* أستاذ في الجامعة اللبنانية، منسّق برنامج الماستر في علم المناعة