عرف الروبوت طريقه إلى المدارس قبل نحو عشر سنوات. لكنّ هذه الأداة الميكانيكية القادرة على القيام بمهامَ مبرمجة سلفاً لم تدخل التعليم فعلياً بعد. ولا يتجاوز الأمر إشراك «فئة محظوظة» من الطلاب ينتسبون إلى نوادي الروبوت في المدارس في المباريات المحلية والدولية بهدف نيل جوائز وألقاب تُستثمر في ما بعد في الإعلانات الترويجية للمدرسة.في المبدأ، يقدم الروبوت التعليمي مثالاً عملياً لمفهوم التكامل بين العلوم، إذ يعتمد الطلاب على ما يمتلكونه من معلومات ومعرفة سابقة من خلال المواد والمناهج الدراسية (العلوم، الرياضيات، الهندسة والتكنولوجيا) لاستخدام الأدوات والقطع وتصميم جسم الروبوت. كما يحقق الخروج عن النمط الجاف والمملّ للحصة العلمية النظرية، ويشجع الطلاب على التعلم وحب العلوم، ولا سيما أن نسبة كبيرة من هؤلاء لا تجد متعة حقيقية في تعلّم العلوم والرياضيات.
إلا أن التحوّل الحقيقي يبدأ عندما «يصبح تعليم الروبوت ضمن المناهج المدرسية، باعتبار أن النوادي اختيارية، في حين أن المنهج ملزم لجميع التلامذة»، على ما يلفت الخبير في تكنولوجيا التعليم والأستاذ الجامعي فضل الموسوي. ويلفت الى أنه رغم الحيوية التي توفرها نوادي الروبوت والمشاركة في البطولات، إلا أنها، في بعض الأحيان، «تصغّر دور التلميذ وتكبّر دور المعلم»، حتى إن المباريات «تحولت إلى تنافس بين المعلِّمين لا التلامذة». أضف إلى ذلك أنّ «المشاركة في النوادي» تثير موضوع العدالة في فرص التعليم وتطبيقاته، لأن تعلّم «الروبوت» ليس متوفراً للجميع بسبب الظروف المادّيّة وقدرات المدارس.
عدد المدارس التي تستخدم الروبوت في التعليم لا يتعدّى 10%، والمدارس التي دمجته بالمناهج لا تتخطّى 25 مدرسة، على ما يقول رئيس جمعية المعلوماتيين المحترفين في لبنان ومنسّق قطاع التعليم والابتكار في شبكة التحول الرقمي ربيع بعلبكي. فغالبية المدارس تعدّ تعليم الروبوت مادة «بريستيجيّة» خارج المناهج التعليمية، «ومصدراً ماليّاً إضافيّاً بعيداً من الجانب التربوي لتعليم الروبوت وصلته بالثورة الصناعية الرابعة والمهن المستقبلية المستجدّة التي نتجت عن هذه الثورة».
وبما أنّ الروبوت والذكاء الاصطناعي هما مستقبل كل المهن، بحسب بعلبكي، «يجب أن يُصبحا مادة تعليمية أساسية في المدارس والمعاهد»، لافتاً إلى أن «قانون تعليم الـ coding والروبوت أُقرّ في مجلس النواب وينتظر المراسيم التطبيقية ليصبح مادة إلزامية في التعليم، ويدخل حتى في الامتحانات الرسمية». لكنّ الموسوي يرى أنّ تحويل الروبوت إلى المنهج التعليمي «صعب، لأنه يحتاج إلى بنية تحتية قد لا تكون متوفّرة خصوصاً في التعليم الرسمي»، مشيراً إلى أنّ مادة «التّكنولوجيا» في مناهج 1997 ألغيت لعدم وجود التجهيزات المناسبة.
المدرب على الروبوت التعليمي موسى سويدان، تحدث عن تجربته في تدريس مادّة «الروبوتيكس» لتلامذة من الصف الرّابع الأساسي وحتّى المرحلة الثانوية في كتاب ممنهج وضمن ساعات معينة، مع أساتذة جرى تدريبهم على أساليب وطرائق جديدة، «عمّمنا هذه الثقافة على بعض المدارس، فوصلنا إلى نحو 50 مدرسة في لبنان، لكنّ التجربة توقّفت مع كورونا والأزمة المادية، وبقيت من أصل 50 مدرسة 5 مدارس فقط، وهناك بعض المدارس التي نعمل معها من دون كتب لنحافظ على الاستمرارية». ووفق سويدان استطاع التلامذة أن يقوموا بابتكارات يمكن الاستفادة منها، ومع بداية جائحة كورونا قدّم عدد من الطلاب أفكاراً ومشاريع حصلت على جوائز عالمية.
وإذ يطرح البعض إشكاليةً بشأن أهمية إدخال الروبوت في المناهج التعليمية في بلد غير صناعي أو مُنتِج، يقول سويدان إنّ الروبوت «مهم للطالب لأنه يعمل ويفكر خارج الصندوق». ويضيف الموسوي إنّ تعليم الروبوت «لا يعني بالضرورة أنّ على التلميذ صناعة روبوتات لاحقاً، ولا بالضّرورة أيضاً أن يكون لبنان بلداً صناعيّاً، ففوائد تعليم الروبوت تنعكس في مجالات متعددة، إذ يُعزّز مهارات التّفكير المنهجيّ والإبداعي ومهارات التفكير العليا، فالمهمات المطلوبة من التلميذ مركّبة وتحتاج إلى تخطيط وتنفيذ ووضع متغيرات وسيناريوهات وتحصيل تغذية راجعة وتعديل في النظام... كما يسمح الروبوت بالدمج بين العلوم المختلفة والمفاهيم العلمية التي يتضمّنها المنهج وخصوصاً مادّتي الفيزياء والمعلوماتية. ويعزّز كفايات التواصل والتعاون والتشارك والعمل في فريق. وبناءً عليه، يرى الموسوي أن خوض تجربة الروبوت التعليمي يشكل فرصة حقيقية ليكون التلميذ بموقع آخر غير المُتلقّي، يبادر ويُنتج ويحاول أن يتعلّم من التّجربة بنفسه.