تمتعت الملكية بحالة من القدسية، وفرت لها حماية واسعة. الملكية التي عرفت بطابعها المادي أولاً ما لبثت أن تخطت الملكية العينية نحو الملكية ذات الطابع المعنوي، او الذهني غير المادي. تعد حماية الملكية الفكرية من السجالات المهمّة التي باتت مطروحة على نحو واسع على الصعيدين الحقوقي والاقتصادي على حد سواء. «الآثار الاقتصادية لحقوق الملكية الفكرية» كان موضوع الندوة التي نظمتها نقابة المحامين في بيروت، بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتجارة، وجمعية حماية المنتجات والعلامات التجارية.
«حماية الملكية الفكرية ترمي إلى حماية نمو الوطن والاقتصاد» هو التعبير الذي اختاره نقيب المحامين جرجي جريج، ليعكس من خلاله أهمية مطلقة لهذا الحق، رابطاً اياه بالنمو، الهدف الأول للدول الحديثة. وتمثل مكافحة «تقليد السلع» أحد أشكال حماية الملكية الفكرية التي تطرق إليها جريج، فاختار التأكيد على أهمية اللجوء الى مكافحة التقليد بهدف درء المخاطر الصحية في مجال الأدوية خاصة.
النسخ والاستنساخ تعابير بديلة، للدلالة على خرق الحماية المخصصة للملكية الفكرية، أو التعدي على ملكية الأفكار من قبل أصحابها. وبغض النظر عن التعابير التي تصب في إناء واحد، هو إناءٌ اقتصادي بالمبدأ، تبقى الملكية الفكرية العنصر الأساسي في نمو الدول الصناعية المتطورة، حيث تتجمع براءات الاختراع. «فهل لهذا الحق انعكاسه الإيجابي نفسه في الدول النامية؟» سؤال طرحه جريج وأجاب عنه: «الدول الصناعية الكبرى تبقى المستفيد الأكبر من هذه الحماية، لكن القانون يجب أن يكون واحداً».
اذن، حماية الملكية الفكرية من هذه الوجهة، تستدعي خضوع الدول، التي لم تصل إلى حد متقدم من التنمية، الى نظام موحد يمس حد الأفكار، فتستمر البلدان المتقدمة منها في التقدم فيما ترزح النامية عند حدودها المعهودة بالتبعية الاقتصادية. في المقابل، يبقى لأمر اللجوء الى حماية الملكية الفكرية نواحيه الإيجابية في حالات ارتباطه بما هو أسمى، كحياة الإنسان أو - في هذه الحالة - المستهلك.
«الأمن الغذائي والصحي للأولاد» هي الزاوية التي ينطلق منها وزير الصناعة والتجارة آلان حكيم، لتأكيد أهمية حماية الملكية الفكرية. يقدم حكيم مثالاً عملياً يتعلق ببعض السلع المقلدة التي تستخدم في حفلات الأطفال، التي اتضح للوزارة أن «استخدامها يؤدي الى امراض سرطانية» بشكل أو بآخر. وبغض النظر عن أن الأمن الغذائي في دولة كـ«لبنان» يكثر فيها عدد الفقراء، لا يتعلق مبدئياً بأطباق بلاستيكية تستخدم في أعياد ميلاد الأطفال، غير أن أنسنة الغاية من تعزيز العمل بحقوق الملكية، لا بد أن تعزز مضمون هذه الحماية.
أما عن دور وزارة الاقتصاد والتجارة في تعزيز الحق بالملكية الفكرية، فيؤكد حكيم الدور الأساسي الذي تؤديه الوزارة، لناحية نشر ثقافة الملكية الفكرية بدايةً، من ثم العمل على توفير التشريعات الملائمة في هذا المجال وجعلها متوافقة مع الاتفاقيات الدولية المختصة. يدعم حكيم أقواله حول «انجازات الوزارة في حماية الملكية الفكرية» بالأرقام. «8500 علامة تجارية هي حصيلة سجلات مصلحة المستهلك لعام 2013، فيما ستتخطاه المصلحة حتى 10200 لعام 2014». هذه الأرقام الضخمة بحسب وصف الوزير، تخلو من العلامات المتشابهة، حيث أن الوزارة «ترفض تسجيل العلامات المتشابهة، ما أدى الى خفض عدد النزاعات القضائية في هذا المجال».
أغنية «هابي بيرث داي» التي دخلت كتاب غينيس على اعتبارها الأكثر غناءً في العالم، باتت عبارة عن «مردود مالي مستمر لأصحاب فكرتها» يقول راني صادر أمين سر جمعية حماية المنتجات والعلامات التجارية في لبنان. الأغنية المثال على ارتباط حق الملكية الفكرية بالاقتصاد، لا تعدو كونها نقطة في بحر الأرقام الضخمة التي تحصلها الشركات الكبرى، تحت غطاء هذا الحق. فعلى سبيل المثال، «نستله» شركة عالمية، تملك 7 علامات تجارية، تبلغ قيمة كل منها ما لا يقل عن المليار دولار. في المقابل، توجد علامة أخرى كـ«نسكافيه» تبلغ قيمتها 18 مليار دولار، «إنه سعر سبعة احرف». أما المثال الأبرز الذي قد يبين الفارق العظيم ما بين كلفة انتاج علامة تجارية ومردودها، فتلخصه «نايكي». العلامة الرياضية التي ابتدعتها احدى السيدات منذ 40 عاماً، «فخلال 17 ساعة وبكلفة لم تتخطّ 35 دولارا، باتت قيمتها الآن 18 مليار دولار». لعل اكثر ما تجسده هذه الأرقام الضخمة، هو الحالة الاحتكارية التي قد تنشأ عن استخدام الملكية الفكرية بحدها الاقتصادي، فيما يكون لهذا الحق حدٌ آخر يحفظ للمجتمع لا للفرد قيماً ذات أهمية أساسية، تترجم بالصحة والثقافة وغيرهما من الشؤون الأساسية. « المستهلك هو الذي يعطي قيمة للفكرة»، يقول صادر في نهاية الندوة، فيما الملكية الفكرية والثقافة الاستهلاكية تجتمعان لجعل بعض العلامات التجارية منطلقاً لتقويم الأفراد لبعضهم بعضا في المجتمعات الاستهلاكية.