هل نجا لبنان من «كورونا»؟ السؤال بات جائزاً، من الناحية الإحصائية، إذا ما اعتمدنا المقارنة مع باقي دول العالم. والحديث عن الإحصاءات لا يعني أننا فعلاً «نَجونا». فربما الإحصاءات لا تعكس الواقع تماماً، فضلاً عن أن حالة واحدة يمكن أن تصبح «بؤرة» متنقلة، وتعيدنا إلى حالة التفشي الاجتماعي المجهول المصدر. لكن، إحصائياً، الأرقام اللبنانية «تبشّر بالخير».قبل نحو شهر، كان لبنان في المرتبة 23 بين دول العالم، لجهة عدد الإصابات في كل مليون نسمة من السكان، بحسب إحصاءات موقع «www.worldometers.info». فجر التاسع من آذار، حل لبنان في تلك المرتبة (23)، وخلفه الكيان الصهيوني ثم فنلندا فالإمارات وإيرلندا وبريطانيا واليابان... حتى ليل أمس، كانت كل هذه الدول قد سبقت - بأشواط - لبنان، الذي تراجع إلى المرتبة 55 (الحديث هنا عن الدول التي يتجاوز عدد السكان فيها مليون نسمة). وكل تراجع في هذا المجال هو أمر محمود، لأنه يؤشر إلى أن التفشي في لبنان أبطأ ممّا هو عليه في غيره من الدول، ما يعني أننا سنكون أقدر على مواجهة تبعاته، طبياً واجتماعياً واقتصادياً، فيما لو أحسنت الحكومة إدارة مرحلة ما بعد الموجة الأولى من كورونا.
هذه الإحصاءات تُحسَب لنا، حكومةً وسكاناً. فرغم «النق» المتزايد، يمكن القول إن الإجراءات التي اتُّخِذت منذ 20 شباط (تاريخ تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا) أدّت إلى السيطرة على تفشي الفيروس، ومنعته من التحول إلى وباء داخل لبنان. كذلك تُظهر الأرقام أن التهويل المبالغ به كلما التقط أحد ما صورة لعشرين سيارة في شارع واحد، لا يعكس حقيقة أن سكان لبنان ملتزمون بإجراءات الحجر الصحي، حتى في المناطق والقرى البعيدة عن أعين الرقابة الأمنية، وأن «عدم الالتزام» بالإجراءات هو الاستثناء، بخلاف ما تصوّره بعض وسائل الإعلام الراغبة في لعب دور الشرطي السيّئ الذي لا يملّ تقريع السكان وإهانتهم.
يُردّ على الإحصاءات الإيجابية، من قبل خبراء وسياسيين وإعلاميين وغيرهم، بأن عدد الفحوصات الطبية التي تُجرى في لبنان لكشف المصابين بكورونا قليل جداً مقارنة بباقي دول العالم. لكن العودة إلى الموقع الإحصائي نفسه، تُظهر أن لبنان أجرى فحوصات بنسبة أكبر ممّا أجرته اليابان! صحيح أن لبنان يحل في المرتبة 56 بين دول العالم (التي يفوق عدد سكان كل منها مليون نسمة)، لجهة عدد الفحوصات التي أجريت لكل مليون نسمة من السكان. لكن المقارنة تكشف عدم وجود رابط مباشر بين عدد الفحوصات وعدد المصابين المسجلين. فعلى سبيل المثال، أجرت كل من بنما والأرجنتين وصربيا وتونس وأوكرانيا والبوسنة وكازاخستان ومقدونيا وأرمينيا والدومينيكان والمغرب والجزائر عدد فحوصات أقل ممّا أجري في لبنان حتى يوم أمس (9411)، لكنها جميعها سجّلت عدد إصابات أكبر من العدد اللبناني، وبعضها سجّل عدداً يفوق بأضعاف ما سُجِّل في لبنان. كذلك فإن عدداً من الدول أجرى فحوصات لا تفوق ما أجري في لبنان بكثير، سجّلت إصابات تفوق بنحو أربعة أضعاف ما سُجِّل عندنا (مثلاً، إندونيسيا أجرت 9712 فحصاً، وسجّلت 2273 إصابة؛ وكرواتيا أجرت 10847 فحصاً وسجّلت 1182 إصابة).
أما نسبياً، فتُبيّن الاحصاءات أن عدد الفحوصات لكل مليون نسمة في لبنان يفوق ما أجري في دول تفوقه على مستوى القدرات الاقتصادية، كما في دول تحدّها الصين. فلبنان تفوّق في عدد الفحوصات لكل مليون نسمة من السكان على كل من فيتنام وجنوب أفريقيا وصربيا وألبانيا والاكوادور وكولومبيا والدومينيكان والأرجنتين واليابان... وبعضها سجّل أضعاف ما سجّله لبنان لجهة عدد المصابين لكل مليون نسمة.
ما تقدّم لا يعني أن على الحكومة والسكان في لبنان أن يطمئنوا. على العكس، فالمطلوب إجراء عدد أكبر من الفحوصات، والقيام بالإجراءات اللازمة لمنع انهيار نظامنا الصحي. كما لا ينبغي أن يغيب عن خطط المواجهة أن ما شهده العالم حتى اليوم ليس سوى الموجة الاولى من كورونا. والموجات الأخرى يُتوقع أن تأتي، وأن تظل فتاكة بالبشر والاقتصاد، إلى أن يتم إيجاد اللقاح والدواء المضادين له.