معروف ان طرائق التعلّم غير التقليدية هي التي تستعمل تقانات التواصل والمنهجيّات الحديثة في وضعيّات صفّيّة مستجدّة، ولا تقوم فقط على قاعدة المواجهة المباشرة والتواصل الحيّ بين المعلّم والمتعلّم. ووفقاً لذلك، فهي كلّ طريقة تعليميّة عصريّة تُبنى على قوام تقني باستخدام الوسائل المساعدة التكنولوجيّة وطرائق الإستراتيجيّات التربوية الحديثة لتأمين التفاعل بين المعلم والمتعلّم وفي مسعى هذا الأخير لامتلاك المعرفة. لا شك في أن قطاع التعليم من أكثر القطاعات تأثراً بالأزمات التي فرضت البحث عن وسائل وحلول لملء الفراغ التعليمي، وتعويض النقص التربوي، وتدارك الفجوة المعرفية التي يعاني منها الطلاب في مختلف المراحل الدراسية. وكان للتقدم التكنولوجي أثرٌ كبير على العملية التعليمية برمتها، إذ لم يعد التعليم بطرائقه التقليدية في نقل المعرفة قادراً على الإيفاء بمتطلبات تلك العملية واستيعاب الأعداد الكبيرة من الأفراد في كل مراحله. لذا، بدأت المجتمعات في البحث عن صيغ جديدة للتعليم تعتمد على المتعلم نفسه (التعلم الذاتي)، والتعلم مدى الحياة، فضلاً عما نحن في صدده اليوم: التعلّم عن بُعد.
في ظل الظروف الراهنة والاستثنائية التي يمر بها لبنان، منذ إندلاع الحراك في 17 تشرين الأول 2019 وصولاً إلى تفشي وباء «كورونا»، تم اعتماد طرائق التعليم عن بعد في كل المراحل التعليمية. وكان الهدف الاساس الحفاظ على صحة المواطنين وسلامتهم واستثمار الوقت وعدم ضياع أي فرصة لتعليم الطلاب... ولكن من دون رؤية موحدة وشروط واضحة لهذا النوع من طرائق التعليم... فكيف ذلك؟
يعاني تطبيق آلية التعليم عن بعد في لبنان من معوقات عدة. فثقافة الاغلب الاعم من المعلمين، في كل المراحل التعليمية، لا تزال تقليدية، وغالبية المؤسسات التعليمية في لبنان لا تتمتع بالجهوزية التكنولوجية الكافية لضمان جودة التعليم وإنتاجيته، كم أن البنية التحتية لشبكة الاتصالات لا تغطي كافة المناطق وجودة الانترنت سيئة مقارنة بما هو موجود في أغلب الدول، علماً بأنّ رسم الإشتراك في هذه الخدمة هو الاعلى عالمياً.
وما يزيد من صعوبة التطبيق عدم جهوزية لبنان لهذه المرحلة، مقارنة مع غالبية الدول المحيطة والاقليمية، لا سيما لجهة وجود قانون واضح يحدد شروط وأصول إسداء برنامج تعليمي نظاميّ في التعليم وفق طرائق غير تقليدية ومنها التعليم عن بعد. فهل تستمر الدولة اللبنانية في نهج ردة الفعل، وعند انتهاء الازمة لا تستخلص العبر، أم ستنتقل الى نهج استباقي من خلال دراسة واقع حال جميع القطاعات الخدماتية في لبنان ورسم خطة اصلاحية شاملة ومن ضمنها التعليم؟
أولى المهمات تشكيل لجنة لدراسة واقع حال المؤسسات التربوية، مثل المدارس والثانويات والجامعات، في مجال التعليم عن بعد، واعداد توصيات ملزمة لكل المراحل وتوزيعها على المؤسسات التربوية لاعتمادها في إسداء التعليم عن بعد، بهدف التحقق من إنجاز الأهداف التعليمية لبرنامج تعليمي من خلال تقييم المعارف المكتسبة والمهارات والكفايات، وليس الاكتفاء فحسب بتعاميم حول طرق اسداء التعليم، وصولاً إلى قانون يتم من خلاله تحديد شروط وأصول إسداء برنامج تعليمي نظاميّ في حقل التعليم وفق طرائق غير تقليدية.
السؤال الأساسي الذي يجب أن نطرحه ليس فقط طرائق التعليم على صعوبتها، انما أيضاً كيفية تقييم مكتسبات ومهارات المتعلم والتأكد من انه اكتسبها. إذ أنّ محور التعليم لم يعد المعلم بل الطالب. اضافة الى ذلك، السؤال عن مدى اكتساب المتعلم للمعلومة اهم بكثير من سؤال المعلم ما الذي قام بتعليمه.
من هنا، اريد نطرح بعض التساؤلات بما اننا نسدي، حاليا وخلال الازمة، خدمة التعليم النظامي في المؤسسات التربوية في لبنان بطرائق غير تقليدية: هل البنية التحتيّة في لبنان - واهمها شبكة الاتصالات - قادرة على توفير متطلبات هذه الطرائق؟ وهل لدى كل المؤسسات التربوية الخبرة الكافية في استعمال المنصات الالكترونية المختصة بنظام إدارة التعلم؟ وهل الأمن السيبراني وأمن المعلومات من أولويات الدولة لحماية بيانات الجامعات والطلاب بشكل منظم وهادف؟ وهل هناك وحدات تربوية مناط بها تأهيل وتدريب الهيئات الأكاديمية في المؤسسات التربوية؟ وهل هناك من اختصاصيون في الهندسة التربويّة يقومون بتصميم البرامج التعليميّة التي تعتمد تكنولوجيا المعلومات وتطوّيرها وادارتها وتقييمها؟ هل قامت المؤسسات التربوية بتأمين جهوزية للطالب لجهة تمكينه من امتلاك قدرات استعمال تقانات المعلومات والتواصل الحديثة التي تمكنّه من متابعة الدراسة في بيئة غير تقليديّة؟
أسئلةٌ برسم المعنيين، فهل من مبادر؟
بناءً عليه، وحفاظاً على صحة المعلم والمتعلم في هذه الظروف القاهرة التي يمر بها الوطن، نرى ضرورة التوجه لاستخدام التعليم عن بعد، وبشكل مؤقت، من خلال:
تحضير المادة العلمية (PPT, PDF, Homework, Recorded videos, Assignments…) بطريقة تتوافق مع طرائق التعليم عن بعد واعتماد المنصة الالكترونية Google Classroom لنشر تلك المادة. وهذه الطريقة تُعرف بالتَعلّم غير التزامني، وهو الذي يسمح للمتعلمين باستكمال التعلم بالوتيرة المناسبة لهم، وفي الوقت الذي يختارونه، كما يسمح لهم بالولوج إلى المادة التعليمية كلما احتاجوا إليها في أي وقت وأي مكان، لكنه لا يسمح لهم بالمشاركة والتفاعل الحي مع المعلم.
كما ينبغي أن يترافق ذلك مع الزامية التعلم التزامني باعتماد تطبيق Zoom او اي تطبيق آخر. وهو تَعلم شبيه بالفصول الدراسية الحقيقية وفي توقيت الحصص الدراسية المحددة سابقاً، ولكن عن بعد، فيجري التفاعل من خلال الدردشة والرسائل الفورية، أو اجتماعات الصوت والفيديو، ما يساعد على المُتابعة المُستمرة وإضفاء الطابع الشخصي على التعلم برمته.

*نائب رئيس جامعةAUL للشؤون الأكاديمية