إن الدعوة التي تطلقها النساء من على منابر المنظمات النسائية لأن ينتعل الرجال أحذيتهن- أو كعبهن العالي تحديداً- ويمشيون فيها... هي دعوة متعددة المعاني. هي، في مستواها الأوّلي، دعوة إلى الرجال كي يعيشوا بعضاً من المعاناة التي تتكبّدها النساء من أجل التناغم مع الصورة المرسومة للمرأة الجميلة / الموضوع الجنسي الذي يفترض فيها أن تكون جاذبة للرجال. فالكعب العالي يكمّل أناقة الثوب ويبرز جمال المرأة- وفق ما تقوله دور الأزياء في مجتمعاتنا الذكرية المرجع؛ لكن لذلك ثمناً تدفعه النساء من صحتهن وراحتهن الجسدية من الصعب تقدير حجمه من دون تجريبه.
لكن لهذه الدعوة دلالة رمزية يُراد لها أن تكون أبلغ تأثيراً. هي دعوة للرجال لأن يضعوا ذواتهم في الموقع الذي وُضعت فيه النساء. هي بمثابة تمنٍّ عليهم أن «يخلعوا» عنهم الأفكار والمعتقدات والاتجاهات والقيم والأحكام المألوفة، والتي اعتادوها في الخطاب السائد المبثوث في ثنايا المركبات الثقافية الغامرة، ولأن «يضعوا عليهم»- أن يضعوا ذواتهم- في موضع النساء لعلّهم يتبنّون، ولو لوقت وجيز، مشاعر النساء واتجاهاتهن وأفكارهن حول شواغلن واهتماماتهن، خاصة تلك ذات الصلة بالجنسانية - المجال الذي ينبغي أن يكون موضع لقاء النساء والرجال معاً، وما ينطوي ذلك على السعي لتبنّي رؤية متقاربة المعاني في عيشه واختباره. وما أجده مثيراً للاهتمام في خلفية هذه الدعوة، هو دحضها لمقولة شائعة ترى إلى الذكورة عكس الأنوثة وإلى الأنوثة عكس الذكورة أيضاً. هذه المقولة تغفل عن وجود مساحة واسعة من التلاقي بين النساء والرجال في شتّى المجالات، وفي جنسانيتهم تحديداً. هي مقولة بدائية، حان للرجال (وللنساء أيضاً) وضعها موضع التجريب. فحين تتمنّى النساء على الرجال أن «ينتعلوا أحذيتهن»، إنما يقلن لهم، رمزياً، أن ما يختبرنَه بوسع الرجال ايضاً اختباره، وبأن هؤلاء يمتلكون القدرة لأن يتعاطفوا وجدانياً، لا عقلياً فقط، معهن – مع إنسانيتهن ومع جنسانياتهن، ضمناً، ولأن يتفحّصوا الادعاء باستحالة هذا التعاطف وذلك الاختبار.
قد تكون فكرة انتعال حذاء النساء تقليداً لاستعارة في اللغة أجنبية تعني وضع الشخص ذاته في موقع الآخر (In his/ her shoes) . وهل يخفى على النبيه أن مسألة الاستعارة والتقليد تُبرز عندنا حين تكون القضية ذات صلة بالنساء حصراً، وأن من يردّدها يتجاهل وفرة الاستعارات والتقليدات التي تغرق فيها مجتمعاتنا دون أي حرج يذكر؟