بعد سلسلة من الأفلام القصيرة والوثائقية والإعلانية، يأتي المخرج الشاب مهدي قنديل بفيلمه الروائي الأوّل «فيلم تجاري» ليخبر قصة مجموعة من الأصدقاء الذين يتحوّلون من فنانين طموحين إلى سارقين وصانعي أعمال تجارية، معتمداً على الكوميديا السوداء ومشاهد الحركة ومجموعة من الأسماء المعروفة في التمثيل وعالم مواقع التواصل الاجتماعي. لدى مكوثه في بلجيكا حيث عاش أربع سنوات، انطلق مهدي قنديل مع الكاتب أحمد خطاب في صياغة نص «فيلم تجاري». نقطة الانطلاق كانت رغبته في تصوير واقع الفن وسوء الوضع الذي يودي بالفنان إلى فعل أي شيء من أجل الوصول والعيش، ولكن في قالب كوميدي فيه تشويق وحركة. لم يتحقق المشروع بسهولة، واضطر إلى الانتظار لبعض الوقت من أجل تأمين الميزانية المطلوبة. فكان بقنديل أن أسّس شركة إنتاجه الخاصة «مولوتوف» من أجل تحقيق هدفه وإنتاج الفيلم وأعماله القادمة كذلك. سبق لـ«فيلم تجاري» أن عُرض في مهرجانات لبنانية في كندا، كما اختير ليكون ضمن برامج مهرجانات في أوروبا وأميركا وفقاً لما يقول مخرجه، ويُفترض أن تكون له عروض في صالات في أوروبا والولايات المتحدة.

مجدي مشموشي في الفيلم

لا تجري الأحداث في مكان محدد. لا إشارة إلى البلد أو المنطقة التي تقع فيها مجريات القصة رغم ذكر الشخصيات لاحقاً في الفيلم لعدد من المدن العالمية التي زارتها، في حين أنّ الفيلم يتطرق إلى وضع العاملين في مجال الفن في العالم العربي إجمالاً وفي لبنان تحديداً. أما في ما يتعلق بتفاصيل القصة، فيقرر الأبطال الأربعة، وهم كاتب وممثلة ومخرج ورسام، سرقة لوحة بول غوغان الشهيرة «من أين نأتي؟ ما نحن؟ إلى أين نحن ذاهبون؟» من إحدى الصالات المحلية التي تلقى حراسة مشدّدة. يؤلّفون سيناريو سيساعدهم على تحقيق حلمهم بالاستيلاء على اللوحة الثمينة لبيعها وتجميع ثروة وتحقيق أحلامهم التي لم تعد إيجاد الفرص في المجالات الفنية التي يتقنونها، بل الحصول على المال وعيش حياة الرخاء. من هنا ينطلق المخرج والكاتب لتسليط الضوء على كيفية تحوّل الشخص عندما تغيب الفرص، ويتعب من الانتظار والعمل من دون جدوى. في اتصال مع قنديل، يخبرنا: «الفكرة التي بنينا عليها نص الفيلم هي تحوّل الفنان إلى السرقة من الفن الذي يعرفه عندما تضيق به سبل العيش. قررنا أن نضيء عبر الكوميديا السوداء على صناعة الأفلام التجارية، ونظهر كيف يتحوّل فنان إلى مجرم، ويقدّم فنّاً هابطاً كي يستطيع العيش. فكان الهدف أن نتحدث عن الموضوع بطريقة مختلفة، كما أنّ الممثلين الذين يؤدون الشخصيات الأربع الرئيسية هم خريجو مسرح، إلى جانب ضيوف شرف أمثال برناديت حديب ومجدي مشموشي وكارول عبود وحسان مراد، إلى جانب أشخاص معروفين على مواقع التواصل الاجتماعي. أنجزنا خلطة لكي نصل إى أكبر شريحة من الناس ويتمكّنوا من مشاهدة الفيلم والاستمتاع به». راهن قنديل على شعبية بعض الأسماء وبراعة بعضها الآخر التمثيلية من أجل جذب الناس لمشاهدة فيلمه، حتى إنّه يلجأ إلى وجوه تلفزيونية وجمالية مع أنه يشدّد على أنه عمل على إدارة الممثلين «بطريقة صحيحة لنُخرج منهم أشياء جميلة ونسنِد إليهم الأدوار المناسبة كي لا يؤثر ذلك على الفيلم بطريقة سلبية. الناس لا يرغبون في رؤية الشخصيات نفسها على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الأفلام». وعن انتقاء ممثلين غير معروفين للأدوار الأساسية، يشرح: «لدينا طاقات كثيرة، ولكن للأسف هناك أشخاص لا يأخذون حقهم لأسباب تتعلق بسير الأمور في هذا المجال. في الوقت عينه، أردنا صناعة فيلم قريب من الناس ليتمكّنوا من التفاعل معه. لا يمكننا أن نكون مباشرين. نريد تسليتهم ونريهم كيف تُنجز الأفلام التجارية. في لبنان والوطن العربي، وضع الفنان مجهول وعليه دوماً البحث عن الفرص المناسبة». في هذا الإطار أيضاً، قرر قنديل تأسيس شركة «مولوتوف فيلمز» لأنّ «شركات الإنتاج التي قد تقبل العمل على مشاريع مماثلة مع مخرجين شباب نادرة ولا تؤمن بهم بسهولة. ولكن هنا أتحمل المخاطر كاملة بنفسي وتصبح متابعة العمل بكل خطواته وتفاصيله شرطاً لتكون النتيجة جيّدة. ولكن الآن أصبح الإنتاج المشترك متاحاً أكثر ومن شأنه أن يسهّل الأمور مستقبلاً».
على صعيد الأسلوب الذي أتّبعه في الفيلم والمراجع التي قد أستند إليها عندما أنجزه، يذكر المخرج إعجابه بأفلام كوينتن تارنتينو الذي كان في باله عندما أنجز العمل كما يقول، وخصوصاً أنّه وضع القصة في إطار تشويقي فيه الكثير من الأحداث المتسارعة ومشاهد الحركة، إضافة إلى المواقف الكوميدية التي تستقطب الجمهور الواسع في الصالات: «أنا متأثر بأفلام تارنتينو التي أشاهدها منذ زمن وأحب أسلوبها. وهذا الفيلم يتأثر قليلاً بهذا النوع من الأفلام. كل مشهد يأخذك إلى مشهد جديد وحدث آخر. ليست قصة بطل وبطلة أو قصة حب واحدة».

* «فيلم تجاري» بدءاً من الخميس في الصالات