ضمن الدورة الثامنة من «مهرجان الفيلم العربي» في عمان، عرضت «الهيئة الملكية للأفلام في الأردن» أخيراً فيلم «كتابة على الثلج» (إنتاج 2017) للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي (1962) الذي قدّم فيه ممثلين عرباً هم: غسان مسعود (سوريا)، وعمرو واكد (مصر) ويمنى مروان (لبنان)، ومن فلسطين عرين عمري ورمزي مقدسي.الفيلم الذي صوِّر في تونس من تأليف مشهرواي وإبراهيم المزين. أما الإنتاج، فهو تونسي مصري فلسطيني ونوعاً ما سعودي إذا أخذنا في الاعتبار أن شركة «سانيلاند» المشاركة في إنتاج العمل، مملوكة لابنة رجل الأعمال السعودي صالح كامل. كما لا يمكن إغفال المشاركين في الإنتاج مثل «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون» الفلسطينية وربما تأثير ذلك على انحياز العمل ولو ضمناً لأحد طرفي الانقسام، لا سيما أن أحداث الشريط تتناول الانقسام الفلسطيني في غزة ما بين سلطة رام الله وسلطة حماس.
يمنى مروان، ورمزي مقدسي، وعمرو واكد في«كتابة على الثلج»

يحكي الفيلم قصة خمسة أشخاص في بيت واحد في منطقة تتعرض للقصف. إذ حملت مسعفة (يمنى مروان) ورجل آخر (عمرو واكد) مصاباً (رمزي مقدسي)، إلى بيت يعيش فيه رجل كبير في السن (غسان مسعود) مع زوجته (عرين عمري). تدور الأحداث جميعها في هذا البيت، ما عدا بضع لقطات بدأ بها الفيلم أظهرت اختلافاً في طريقة التصوير. علماً أنّ طريقة تقديم الأحداث المحصورة في موقع واحد، لا تعدو كونها فكرة مستهلكة لتوصيف غزة. لكن ما زاد الطين بلة عدم تمكن الممثلين من اللهجة الغزاوية. هذا الالتباس لم يقع به مثلاً الشقيقان محمد وأحمد أبو ناصر (مشهوران باسمي «عرب وطرزان») مخرجا فيلم «ديغراديه» (2016) الذي يحاكي موضوع الانقسام وصوِّر أيضاً في موقع واحد هو صالون حلاقة نسائي. على عكس «ديغراديه»، كانت قصة «كتابة على الثلج» متوقعة، والحوار هش يخلو من الحيوية المتسقة مع الأحداث والشخصيات وظروف كل مشهد. السيناريو غير مقنع، ولا تسلسل في البناء الدرامي للشخصيات والأحداث. أما حبكة الفيلم، فرخوة مما أثر على أداء الممثلين ككل، وتقديم ممثلي الصف الأول (مسعود وواكد مثلاً) أداءً ضعيفاً مع أخذهم مساحات أكبر في الفيلم على حساب الآخرين.
ومجدداً، وقع مشهراوي في فخ الرمزية المفرطة الخالية من ذكاء المقاربات، إذ كان سهلاً جداً فرز الأدوار الرمزية مثل الزوج غسان مسعود الذي يمثل «فتح» وتيارها المنحاز لتبعات اتفاقية أوسلو، بدليل السردية «النمطية» عن حياته كما روتها الزوجة (عرين عمري ) التي تمثل الجماهير الفلسطينية التابعة لألق الفدائي المفروض عليها. تروي الزوجة للمسعفة قصة الفدائي زوجها الذي يقضي وقته طوال الفيلم في تصليح الساعات. تخبر الزوجة المسعفة التي تمثّل رمزية اليسار المنفتح الرافض لحياة الغرب، عن تنقله بين البلدان التي عملت فيها فصائل الثورة الفلسطينية ليحط به الركب أخيراً في غزة بعد «السلام». هذه ليست المرة الأولى التي يتناول بها مشهراوي شخصية تعود للداخل المحتل بعد حقبة السلطة الفلسطينية كما في فيلمه السابق «عيد ميلاد ليلى». الشخصية الأبرز كانت لعمرو واكد المسلح الذي يحاول فرض سلطته ورأيه على الحاضرين من دون احترام لصاحب البيت. واكد يمثل سلطة «حماس»، التي تتحدى صاحب البيت بصفته الاعتبارية والرمزية، ويحاول كتم صوت الزوجة وانتقاد المسعفة، عدا إطلاق أحكامه الأخلاقية على الجميع والتشكيك بوطنية المصاب (رمزي مقدسي) واستمرار تهديده إلى حين كشف ما افترضه صحيحاً أي عمالة المصاب للاحتلال.
انحاز الفيلم لرواية سلطة رام الله عن «حماس»


على الصعيد السياسي، انحاز الفيلم لرواية سلطة رام الله عن «حماس» ولم يعرض الصورة كاملة، فغزة بالفعل حاضنة شعبية للمقاومة، ويبدو من التجني اختصار «حماس» بشخصية عدائية تفكر في خلاصها الذاتي كما ظهر حين هدد عمرو واكد بمغادرة البيت منفرداً وجعله عرضة للقصف. لكن السؤال الأهم هو: أين الاحتلال؟ لماذا يبدو القصف شيئاً طبيعياً فيما يركز المخرج والمؤلف على تفصيل ثانوي هو الانقسام (على أهميته ومحوريته). لوهلة، يمكن للمتابع عزل الاحتلال عن أحداث الفيلم كما لو كان خلفية ثانوية، كأن مشكلة غزة فقط في الانقسام وليس في واقع الانقسام تحت مظلة الاحتلال. وهذا موطن ضعف في الفيلم الذي يمكن وصفه بالمعادي لـ «حماس» والمنحاز لرؤية الجانب الآخر التي تتقاطع ـ بشكل أو بآخر ـ مع رؤية الاحتلال. فالأخير يرى أن «حماس» تحتجز أهل غزة وتتسبب في موتهم مع تبرئة دور الاجرامي. عودة هنا للمقارنة مع فيلم «ديغراديه». عندما عرض الفيلم في عمّان، حُذف أحد المشاهد المتعلق بالاحتلال. حينها، رفض أحد المخرجين البقاء لمناقشة الفيلم، معترضاً بأن المشهد يؤكد أن جوهر المشكلة هو الاحتلال، وحذفه سيؤثر على سير الأحداث وخلط الأوراق وتجريم طرف على حساب طرف فيما يخرج العدو الصهيوني من دائرة المساءلة!