احتاج المخرج السوري الشابّ ميار النوري، إلى بضعة أيّام فقط ليوضّب أغراضه ويعود أدراجه إلى مدينته دمشق، بعدما أنهى دراسة الإخراج السينمائي في معهد Full Sail University في الولايات المتحدة. حمل معه هاجس صناعة سينما شبابية تشبه منطقته الجغرافية وهموم شعبه، وإن استمدّت مقوّماتها من حالة الخراب والفوضى والانهيار الاقتصادي. ففي اعتقاده المهني، العمل الفني الذي يتطلّب كاميرا وممثّلين، يمكن أن يُنجز من أيّ مكانٍ في العالم مهما كان غارقاً في البؤس. لا بل تُعدّ المجتمعات المسحوقة أرضاً خصبة أكثر من الدول المترفة التي يُصاب بعض سكانها بالاكتئاب بسبب فرط الرفاهية!
هكذا، أهمل الشابّ حلم هوليوود الذي يدغدغ مشاعر أيّ سينمائي، وعاد من دون أن تؤرقه فكرة اتّهامه بالـ «التوريث الفني»، كونه نجل النجم السوري عباس النوري. فطريقه واضح! قد يكون والده قد اختصر هذا الدرب عبر دعمه وتبنيه المطلق وتسهيل دراسته الأكاديمية، لكن في النهاية، لا يمكن إغفال مقوّمات المخرج الشاب اللافتة التي تجعله محطّ نقاش نقدي.

خلال مشواره الذي ما زال في البداية، أخذ النوري وقته الكافي لتختمر موهبته، فأنجز مجموعة من الأفلام القصيرة وعمل كمدير إضاءة وتصوير. ويشكّل «طابة أمل» (سيناريو وإخراج ميار النوري، إنتاج «المؤسّسة العامة للسينما») أحد الأفلام البارزة التي عمل عليها. تتمحور القصّة حول مباراة كرة قدم في مدرسة تحوّلت إلى مجمّع للنازحين، ومحاولة كابتن أحد الفريقين لفت انتباه الفتاة التي يحبّها عبر مناوراته من أجل إقامة المباراة التي تواجه عقباتٍ عدّة. حصد النوري جوائز في مهرجانات أوروبية، قبل أن تدعوه إدارة «مهرجان كان السينمائي الدولي» ليكون من بين عشرة مخرجين اختيروا لإقامة ورشة عمل بعنوان World Peace Filmmaker Program.

بعد ذلك، أتيحت له الفرصة التلفزيونية الأولى في مسلسل «ترتيب خاص» (تشارك كتابته مع فؤاد يمين ورواد عواد، إنتاج «فالكون فيلمز»)، من بطولة الممثّلين مكسيم خليل، وعباس النوري، ولين غرة، ونتاشا شوفاني، وكارول حاج، وآخرين. ونشر خليل على مواقع التواصل الاجتماعي صورة الشخصية التي يؤديها، مرفقاً إياها بتعليق: «حياة تنقلب في يوم واحد… تابعوا مغامرات أحمد أصابيعي في «ترتيب خاصّ» قريباً على منصة «أمازون برايم فيديو»...».

بدأ تصوير هذا العمل السوري اللبناني المشترك قبل أكثر من عام في بيروت، وأُعلن عن بدء عرضه سابقاً، قبل أن يؤجّل أكثر مراراً بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة. ورغم تكتّم صنّاعه حول فكرته، إلّا أنّ الأنباء الواردة من الكواليس تشير إلى أنّه يروي بطريقة كوميدية مغامرات شخص مهووس بتفاصيل حيوية تؤدي به إلى مآلات صادمة، ولكنّه غالباً ما ينجو بفضل تركيزه العالي وهوسه المبالغ فيه!