مفاجأة ليست مفاجئة. هكذا، يمكن وصف زيارة رئيس «هيئة الترفيه السعودية» تركي آل الشيخ الرسمية إلى القاهرة، ممثِّلاً الديوان الملكي الذي يعدّ أحد مستشاريه. الأمر الذي يبرّر استقبال وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني له رسمياً في مكتبها في مقرّ وزارتها القديم في قلب القاهرة. أما الاسم الثالث في هذا اللقاء، فكان الرئيس التنفيذي لـ «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» التابعة للاستخبارات المصرية عمرو الفقي، فضلاً عن عمرو أديب طبعاً، صوت «أبو ناصر» ولسانه.حطّ تركي في مصر في وقت كان الجميع يتساءل فيه: إلى متى يمكن أن تصمد صناعة الفن المصرية أمام الاجتياح السعودي والرغبة العارمة في الحصول على خدمات نجوم المحروسة؟ صمود انهار ببطء بسبب السياسات الخاطئة التي انتهجها رجال نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي في إدارتهم لـ «بيزنس الفن» في المحروسة، بعد إصرارهم على تغيير كل معادلاته. ليس عبر قوانين منظّمة وإنّما قانونهم الخاص الذي أعاد صياغة كل شيء، ودفعه إلى الأسوأ. حاول رجال النظام مقاومة آل الشيخ لسنوات عدّة، بينما رفع هو من جانبه السقف أمام النجوم، وبات من النادر أن يقول أحدهم لا. رفع الأجور ومنح إقامات ذهبية، ثم اللجوء أخيراً إلى «بطاقة» جواز السفر السعودي. وتزامن ذلك مع تراجع مداخيل الإنتاج المصري بسبب سوء الإنفاق. ناهيك عن إنتاج مسلسلات عدة لأسباب دعائية محضة من دون حدّ أدنى من الجودة الفنية، ما منعها من تحقيق أرباح، أبرزها بالطبع سلسلة «الاختيار» (تأليف باهر دويدار، وإخراج بيتر ميمي). هذا فضلاً عن استبعاد نجوم وتفضيل آخرين عليهم، إلى جانب التدخّل في التفاصيل الدرامية من أجل تطويع المحتوى لمصلحة سياسات نظام السيسي غير الشعبية. كل ذلك أدّى إلى حالة من الاهتزاز، دفعت النجوم إلى قبول أيّ عروض سعودية. كما دفعت «الشركة المتحدة» للموافقة بعد عناد لم يدم، على عرض مسلسلاتها عبر منصة «شاهد» المنضوية تحت مظلة شبكة mbc السعودية، حتى داخل مصر، رغم وجود منصة محلية هي WATCH IT. بالتالي، كان الاستسلام للإنفاق السعودي لإنقاذ الموقف متوقّعاً. ثم جاء أخيراً إغلاق ملفّ آمال ماهر ليكون بمثابة إشارة لبدء صفحة جديدة مع آل الشيخ.
رغم كلّ ما حدث في مجال الرياضة ثم الترفيه، جاء تركي آل شيخ حاملاً حزمة من المشاريع. على رأس القائمة، استضافة «كأس مصر» بين فريقي كرة القدم «الأهلي» و«الزمالك» في 8 آذار (مارس) المقبل في الرياض، وإقامة مهرجان فني على هامشه. ثم الإعلان عن إطلاق «ليالي الأوبرا» في السعودية بفرق مصرية، و«ليالي سعودية» في الأوبرا المصرية. وهناك أيضاً إقامة حفلات مشتركة بين البلدين في أماكن مختلفة، من بينها «مدينة العلمين الجديدة»، إضافة إلى تعاونات على مستوى السينما.
كل ما سبق يحدث على أرض المملكة، لكن هل سيدخل فعلاً فنانون سعوديون إلى «الأوبرا المصرية»؟ وهل سيتخلّص نجوم مصر من عقدة العمل مع تركي الذي التقى بأكثر من عشرة مخرجين أثناء جولته على قوى المحروسة الناعمة؟ أم ستكون هذه الزيارة مجرّد جولة انتصر فيها «أبو ناصر» وحصل على مكاسب عدة، قبل أن يعود الخلاف علنياً من جديد؟
غير أنّ السؤال الأبرز يدور في كواليس «الشركة المتحدة» التي تحتكر غالبية النشاط الفني والإعلامي في مصر. فبعدما كان يُنكّل بأيّ من موظفيها الذين يسافرون لأداء مهام مؤقتة في السعودية بحثاً عن دخل إضافي، هل سيسمح لهم السفر وتحقيق مكاسب مالية، أم أنّ حضور رئيسهم عمرو الفقي، جاء لضمان مكاسب «المتحدة» المادية من أنشطة تركي، لكن ما في القلب نحو المستشار سيبقى في القلب؟