القاهرة | سواء كنت محبّاً أو كارهاً للمغني المصري حمزة نمرة (1980) وما يقدّمه، لا يمكنك إنكار أنه ابن بار لجيل الثمانينيات بهمومه وأحلامه المبتسرة، وحتى قناعاته المضطربة... الجيل الذي يعتبره كثيرون بأنه «صاحب الحقّ المهضوم». في مصر هو الجيل الذي تفتّح وعيه على الفترة الأولى لحكم الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك (1928ـــ 2020)، وكبر معه وقرّبت فترة شبابه على الانتهاء حتى ظنّه رئيساً أبدياً، ثم تغيّر كل شيء في غمضة عين!نمرة ابن للجيل الذي فرح بدخول شبكة الإنترنت للمرة الأولى. وهو الجيل نفسه الذي يحاول التأقلم في عصر المنصّات المفتوحة والذكاء الاصطناعي. أما على مستوى القناعات، فقد عاش حالة أشبه بـ «البسترة»، كأبناء بارّين لآباء ذهب أغلبهم للعمل في الخليج ينعمون بأمواله وقناعاته... ثم شباب فوجئوا بأن العالم أكثر انفتاحاً واتساعاً من قناعاتهم الضيقة.


قرابة المليار مشاهدة حققتها أغنيات نمرة على يوتيوب عن مجمل الألبومات الستّة التي أصدرها. ألبومه الجديد «رايق» حقّقت أغانيه الـ13 انتشاراً واسعاً خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتجاوزت الـ37 مليون مشاهدة حتى الآن.
تحوّلات كثيرة اتسم بها مشوار نمرة. لكن في الحقيقة لا يمكن تقفّي أثر هذا المشوار من دون الرجوع إلى طفولته التي قضى سنواتها في مدينة الدرعية (تتبع إدارياً منطقة الرياض) في السعودية. على عكس مشكلات أبناء هذا الجيل العربي مع أسرهم التي تتجسّد في رغبة الابن دخول الفنّ فيواجه اعتراض أبويه ورغباتهم في أن يصبح طبيباً أو مهندساً، فإنّ العكس تماماً هو الذي حدث مع نمرة.
رغم صعوبة أن تحبّ الموسيقى وقتها في السعودية، فإنّ والد نمرة الطبيب كان يتمنّى في شبابه دخول كلية الفنون الجميلة، لكن عائلته ضغطت عليه لدخول الطبّ بسبب مجموعه الكبير، فحقّق حلمه القديم بدعم ابنه. اتفق مع مدرّس للموسيقى ليعلّمه في البيت. لكن طريقة ذلك المدرّس الصعبة كرّهت نمرة من التعلّم. قرّر أن يبدأ رحلة تعلّم ذاتية. لم يكن وقتها يعرف حتى أيّ آلة يريد العزف عليها، إلى أن شاهد بالمصادفة على الشاشة الصغيرة، مغنياً يعزف الغيتار، فشعر أن ذلك حلمه الذي يرغب في تحقيقه. بدأ عزف أول أنغامه على غيتار قديم فوق خزانة ملابس أخته. بدأ حلم نمرة في التشكّل. وكانت رغبته أن يصبح ملحناً وعازفاً، لكن شخصيته الانطوائية لم تمكّنه كثيراً من تكوين شبكة علاقات فنية قوية، فقرر أن يقوم بالمهمة كاملة بنفسه: التلحين والعزف والغناء.
الشاب الخجول سجّل تجاربه الأولى على شريط كاسيت. لم يكن يتوقّع أبداً الانتشار الذي حقّقه بين زملائه في الدراسة. ومن وقتها، قرّر أنه سيكون مغنياً.
بعد وفاة أمه وهو في سنّ الـ17، كان قرار الأسرة بالعودة إلى الإسكندرية في مصر. هنا سمحت له الفرصة بأن يدرس في معهد الموسيقى، لكنه قرر ألا يضع البيض كلّه في سلة واحدة، خوفاً من الفشل في مشواره الفني، فقرر دراسة «البيزنس» (إدارة الأعمال) في جامعة الإسكندرية، فإذا فشل في الفنّ، تكون لديه خطّة بديلة.
قضى وقت دراسته الجامعية مشغولاً بالموسيقى، والتحق بفريق «الحبّ والسلام» بقيادة الموسيقي نبيل البقلي وتعلّم على يديه التلحين والتأليف الموسيقي. وفي عام 2001 قرّر نمرة أن يبدأ أول مشاريعه المنفصلة بتأسيس فرقة «نميرة» التي ضمّت أصدقاءه من العازفين والفنانين.
في تلك الفترة، لا يمكننا تجاهل محطّة مهمّة، وإن قصيرة، في مشوار «نمرة». يومها قرّر اعتزال الغناء والموسيقى. كانت جماعات الدعوة السلفية لا تزال في قوّتها، تحديداً في الإسكندرية. تأثر بأحاديثهم عن عذاب الله، أو على حدّ تعبيره في أحد الحوارات معه «هزتني الأحاديث التي يردّدها السلفيون عن حرمة الغناء، وخصوصاً أني رجل محبّ لديني وملتزم. لذلك توقّفت شهراً عن الغناء للبحث عن حقيقة ما يقولون. اكتشفت أن هناك الكثير من الآراء وهناك أئمة كباراً مثل ابن حزم، لهم رأي مختلف عمّا يقوله السلفيون حول حرمة الفنّ».
بعد شهر من التوقّف عن الفنّ والبحث في حقيقة حرمانيّته، توصّل نمرة إلى خلاصة بينه وبين نفسه بأن «الغناء مثل الكوب قد يستخدم في شراب الحلال والحرام، وهذا يرجع لاختيار الإنسان». لذلك، قرّر ألا يحمل كوبه أيّ شيء «محرّم». لكنه في الوقت نفسه، لا يرى أنه يقدّم «فنّاً ملتزماً». يردّ على ذلك «الاتهام» دوماً: «فقط أذهب في الأغنيات لما هو أشمل من مجرّد الغناء للعلاقات العاطفية».
أعلن سابقاً انحيازه لتولي التيار الإسلامي السلطة


استمرّت فرقة «نميرة» حتى عام 2004، وفي عام 2006 بدأ في الإعداد لألبومه الأول «احلم معايا» الذي اشتركت في تنفيذه مجموعة من أفضل الموسيقيين، إلى جانب أصدقائه من فريق «نميرة» والفرق الموسيقية المختلفة. وفي 2011 أنتج ألبوم «إنسان» الذي تصدّر قوائم المبيعات وقتها. وارتبط اسم حمزة بالعديد من البرامج الدينية، حيث غنّى تتر النهاية للجزء الثامن من برنامج «خواطر» المذاع في رمضان 2012، إلى جانب تتر برنامج «سحر الدنيا» (قناة «اقرأ»/«النهار»..) الذي يقدمه الداعية الإسلامي مصطفى حسني.
بعد ثورة 25 يناير 2011، ارتبط اسم «نمرة» بالحملة الانتخابية للمرشح اليميني عبدالمنعم أبو الفتوح. أعلن انحيازه بشكل واضح في تلك الفترة لتولي التيار الإسلامي للسلطة. دفع نمرة ثمن هذا الانحياز بعد ذلك. في 2014، حُظرت أغانيه من محطّات الإذاعة الرسمية بسبب «انتقاد النظام». خرج وقتها من مصر (التي مُنع من دخولها) إلى لندن، حيث أسّس شركته الخاصة للإنتاج. كما بدأ دراسة الموسيقى والهندسة الصوتية في «بيركلي ميوزيك أونلاين» التابعة لكلية «بيركلي» الأميركية للموسيقى.
في أيلول (سبتمبر) الماضي، أثارت عودة حمزة إلى مصر الكثير من الجدل. وصف بعضهم عودته بالـ«صفقة» مع النظام الذي اتهم بمعاداته قبل ذلك، فيما اتجه آخرون من كارهيه، للتساؤل عن سبب السماح له بالعودة مرة أخرى رغم انحيازاته السابقة المعلنة للإسلاميين. لكن وسط هذا الجدل، يبدو أن نمرة تعلّم الدرس، وقرّر عدم التحدث مطلقاً في السياسة.
خلال فترة منعه من دخول مصر، ظهر نمرة في برنامجه «ريمكس» على قناة «العربي 2» القطرية، الذي جاب فيه العديد من البلدان العربية، بحثاً عن الثقافات الموسيقية المختلفة بين بلد وآخر. تظهر الخبرات التي اكتسبها نمرة من رحلات «ريمكس» بشكل واضح في ألبومه الجديد «رايق»، سواء على مستوى اختيار الموسيقى والكلمات. رغم أنه لا يزال يغني التيمة المفضّلة لجيل الثمانينيات، فإننا نجد تنوعاً كبيراً في الأغنيات. «شيخ العرب» تقترب بشكل كبير من اللون الصعيدي، و«رياح الحياة» حصدت النصيب الأكبر من المشاهدات (11 مليون مشاهدة) بكلماتها الحزينة ولحنها الراقص، وقصة الحب القديمة في «غروب» هي قصيدة حبّ للوطن. في الألبوم نفسه، يصرخ نمرة نيابةً عن جيله بالكامل: «أنا الطيب وعامل فيها مش طيب».



شهرة في زمن كورونا
لم تكن شهرة حمزة نمرة في مصر فحسب، بل وصلت أصداؤه إلى الخارج بطريقة سلسة. كان لنجاح المغني الشاب طعم مختلف عن باقي زملائه. هو لم يستقبل النجومية من باب الأعمال الهابطة أو السريعة والعصرية، بل أعاد المستمع إلى زمن ما كان يُعرف بـ «الزمن الجميل»، عبر طرح أغنيات تلمس كل شخص. حتى إن توقيت نجوميّته كان مفاجئاً. كانت بداية انتشاره عربياً في عدد من الأغنيات، تحديداً «داري يا قلبي» (ضمن ألبوم «هطير من تاني»/2018) التي تصف معاناة الفراق وانعكاسه على الإنسان. إلا أن النجاح المدوّي وتكريس النجومية كانا بفضل أغنية «فاضي شوية» التي طرحها في فترة جائحة كورونا (ألبوم «مولود سنة 80» 2020/2021). كانت الأغنية فاتحة خير على الشاب الطموح، بأسلوب غنائي جديد على الساحة، وخصوصاً أن الحالة الفنية العربية كانت في تلك الفترة تشهد ركوداً بعد الجائحة التي أوقفت الحفلات والمهرجانات في العالم ككل. شكلت الأغنية «تراند» على صفحات السوشال ميديا، وهزّت عرش بعض النجوم.