تونس | قرّرت «هيئة مهرجان الحمامات الدولي» إلغاء الحفلة التي كان يُفترض أن تحييها الفنانة آمال المثلوثي في الدورة السابعة والخمسين من الحدث، في التاسع من آب (أغسطس) الحالي، داعيةً مَن اشتروا التذاكر إلى استعادة أموالهم من شبابيك المهرجان.لم توضح الهيئة المنظّمة الأسباب التي دفعتها إلى اتخاذ هذه الخطوة، غير أنّه يبدو أنّ الأمر يندرج في إطار رد الفعل على جولة المغنية التونسية في فلسطين التي أقامت خلالها ثلاث حفلات في القدس المحتلة وبيت لحم ورام الله، في إطار فعاليات «مهرجان ليالي الطرب في قدس العرب» الذي نظّمه «معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى» بالشراكة مع «مركز يبوس الثقافي». علماً أنّ الفنانة المولودة عام 1982 أعلنت عن إلغاء موعد كان مقرّراً، يوم الإثنين الماضي، في حانة «فتّوش» في حيفا داخل الأراضي المحتلة، بعدما قوبلت بهجوم من قبل عدد كبير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، واتُهمت بالتطبيع. غير أنّ هذه الخطوة يبدو أنّها كانت «شكلية»، وفق ما ذكرت «الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع»، مؤكدةً أنّها علمت من مصدر موثوق من داخل فلسطين المحتلّة، أنّ آمال التي أعلنت على السوشل ميديا عن إلغاء حفلتها التي كانت مبرمجة في «فتّوش»، اتفقت سرّاً مع المنظّمين على إقامتها بشكل غير مُعلَن في قرية دالية الكرمل، القريبة من حيفا. وهي تقع بدورها داخل ما يُعرف بـ «الخطّ الأخضر»، أي داخل الأراضي التي احتلّها الكيان الصهيوني إبّان نكبة 1948، وبالتالي داخل ما فرضته القوى الاستعمارية حدوداً لـ «دولة إسرائيل». وأوضحت الحملة أنّ من اقتطعوا تذاكر للحفلة المُلغاة، تلقّوا رسالة تؤكد أنّ «العرض غير رسمي، وغير مُعلَن، ونرجو من الجميع إبقاءه كذلك، لتفادي الصخب الذي أثاره خبر العرض في حيفا».
آمال المثلوثي التي رفضت اتهامات التطبيع واتهمت حملة المقاطعة التونسية بـ «الذكورية»، دافعت عن حفلاتها الفلسطينية، مشدّدةً أنّ هذا «شكل من أشكال المقاومة الثقافية»، وأنّها لا تستطيع أن تردّ طلباً للفلسطينيين وأنّ «كلّ السهرات أقيمت بطلب ودعوة من الفلسطينيين ولا علاقة للإسرائيليين بها». إلا أنّ «الحملة التونسية لمقاومة ومناهضة التطبيع» أشارت في بيان إلى أنّ هذه ليست المرّة الأولى التي تقدم فيها المثلوثي على فعل مشابه، إذ سبق أن «تلكّأت قبل عشر سنوات عن الانسحاب من حفلة في الجولان المحتلّ مع فرقة أردنية، وبعدها بسنوات لم تنسحب رغم مناشدتها من مهرجان Pop-Kultur الفنيّ في برلين الذي يحظى برعاية إسرائيلية، إلا بعد تسجيل انسحابات عربية أخرى». ورأت الحملة أنّ الغناء في فلسطين، ولو كان في المناطق الخاضعة للسلطة الوطنية، من شأنه أن «يفتح باباً للتطبيع الذي أصبحت تمارسه علناً وكالات سفر عربية تنظّم رحلات إلى فلسطين تحت شعار فك العزلة عن أهلها». ونددت الحملة «بوضوح وقوّة بالموقف التطبيعي المشين لآمال المثلوثي»، مضيفة أنّ «المطلوب من فنانة عربية ذات إشعاع عالمي مثل المثلوثي، هو التعريف بالمظالم التي يتعرض لها الفلسطينيون والتأكيد على عدالة قضيتهم، وليس المساهمة في مسار التطبيع المُقنَّع، الذي انخرط فيه للأسف بعض الفنانين والمثقّفين العرب بتشجيع من السلطة الفلسطينية المتعاونة مع الاحتلال، وبعض المجتمع المدني القريب منها». كما أشارت الحملة التونسية إلى أنّه «ليس للختمِ الإسرائيليّ على جواز سفركِ سوى معنى واحد يسعى الكيان لترويجه: «هذه الأرض لنا وعلى أنقاضِ الفلسطينيين شيّدنا دولتنا ونحنُ من نُشرّعُ دخولكِ من عدمه»، وأنّ الفعاليات الثقافية التي تتطلبّ إقامتها التطبيع مع الكيان الصهيونيّ هي إحدى الآليات الصهيونية الذي يستعملها هذا الكيان لتمرير مخطّطاته الاستيطانية والتغطية على جرائمه اليومية في حقّ الفلسطينيّين».
تلكأت في الانسحاب من مهرجان ألماني برعاية إسرائيلية


وكان نجم المثلوثي قد صعد مع سقوط النظام السابق في ما يُعرف بـ «ثورة الياسمين»، عندما غنت في تجمعات الشباب الغاضب «أنا حرّة»، كما غنت في حفلات «الاتحاد العام التونسي للشغل» (كبرى المنظمات النقابية في تونس)، وخصوصاً عندما حصل على «جائزة نوبل» في عام 2015 بمشاركة عمادة المحامين و«رابطة حقوق الإنسان» و«اتحاد رجال الأعمال». علماً أنّ الجدل الأخير المرتبط بصاحبة أغنية «بين الوديان» تزامن مع بدء لجنة الحقوق والحريات في البرلمان مناقشة قانون تجريم التطبيع، وهو مطلب طرحته قوى سياسية عدّة منذ عام 2011، غير أنّ «حركة النهضة» الإخوانية التي كانت مسيطرة على البرلمان أجهضته.