لم يستطع «الرصاص المصبوب» وهو الإسم الذي اختاره العدو الإسرائيلي لعدوانه على غزة عام 2008، أن ينتصر على إرادة الحياة في القطاع المحاصر. بعد انتهاء العدوان بفترة وجيزة وفي أحد الفصول الدراسيَّة، كان التلميذ سالم الأبيض (8 سنوات) يرفع يده بحماسة طالباً المشاركة في ورشة دراما وفي تمثيل عمل مسرحي مدرسي. كان الطفل محظوظاً، إذ قُبِلَ طلبه لتكون هذه خطوته الأولى في طريق طويل حافل بالكثير من محطات النجاح. بعدها، انتسب إلى الفريق الوطني للفنون المسرحيَّة بناءً على نصيحة صديقه وليد مراد وتتلمذ على أيدي أساتذة كبار في هذا المجال أبرزهم: محمد العطلة وخالد خماش وفتحي عمر ونبيل الخطيب وراجي النعيزي وسعيد السعودي، كما عوَّض غياب الأكاديميَّات والمعاهد المتخصّصة في قطاع غزة باللجوء إلى يوتيوب للحصول على المزيد من دروس التمثيل وتنمية موهبته وزيادة معلوماته.ومن مسرحيَّة «الفدائي الصغير» وأوبريت «غريب يا بلادي» إلى «سطح الدار» (كتابة وإخراج خالد خماش) و«فرج المقشف» (كتابة عاطف سلامة وإخراج محمد العطلة) و«إنَّهم يزرعون البطاطا» (كتابة محمد العطلة وإخراج عوض السوسي) و«آه يا وطن» (كتابة نبيل الخطيب)، كان الأبيض يكرّس نفسه تدريجاً كأحد النجوم المسرحيين الشباب في القطاع، قبل أن يحصل على فرصته على الشاشة الصغيرة من خلال عدد من المسلسلات منها: «ميلاد الفجر» (كتابة زكريا أبو غالي وإخراج حسام أبو دان) و«حبر النار» (كتابة رمضان النبيه وإخراج محمد خليفة) و«يوميَّات أبو صقر» (كتابة نبيل الخطيب وإخراج إياد الرضيع) و«بوَّابة السماء» (تأليف ورشة كتابة وإخراج زهير الإفرنجي) و«قبضة الأحرار» (كتابة فارس عبد الحميد وإخراج محمد خليفة) و«شارة نصر جلبوع» (كتابة زكريا أبو غالي وإخراج حسام أبو دان)، فضلاً عن عدد من المسلسلات الإذاعيَّة منها «أنين القلب» و«يوميَّات أبو الفهد» و«طريق الدم».
ويرى الأبيض أنَّ الكلمة لا تقل أهميَّة عن الرصاصة، وأنَّ ممارسة الفنّ في ظل حالة حرب دائمة مع عدو همجي هي تحدّ بذاته ومقاومة من نوع آخر، وسط معوقات تبدأ بالحرمان من السفر للمشاركة في أنشطة فنيَّة في الخارج ولا تنتهي باستهداف المسارح والمؤسَّسات الثقافيَّة والفنيَّة في كل جولة عدوان جديدة، مؤكداً في ختام حديثه معنا أنَّ رسالة فنّاني غزة كما كل شرائحها واضحة ويمكن أن تختصرها عبارة واحدة: هذه الأرض لنا