يتواصل تهافت الشركات والمستثمرين على امتلاك حقوق عمالقة الموسيقى لما تدرّه عليها من مداخيل، إذ أعلنت شركة «وورنر تشابل ميوزيك»، أمس الاثنين أنّها اشترت حقوق أعمال المغني الإنكليزي الراحل ديفيد بووي (1947 ــ 2016)، في صفقة هي الأحدث ضمن توجه واضح في هذا المجال، شكّل تطور البث التدفقي وجائحة كوفيد-19 عاملين محفزين له.تندرج هذه الصفقة التي وقّعتها «وورنر» مع ورثة بووي بقيمة لم يُفصح عنها رسمياً لكنها تتجاوز 250 مليون دولار بحسب موقع «فارايتي»، في إطار مجموعة صفقات مماثلة طبعت الصناعة الموسيقية في الأشهر الأخيرة.
وآخر ما سجّل في هذا المجال تنازل نجم الروك الأميركي بروس سبرينغستين الملقب The Boss (الزعيم) عن حقوق أعماله الموسيقية إلى شركة «سوني» في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الفائت، في صفقة قُدّرت قيمتها بأكثر من 550 مليون دولار، بعدما سبقته إلى ذلك تينا تورنر التي باعت حقوق أعمالها إلى «بي إن جي».
أما «وورنر تشابل ميوزيك»، فاستحوذت بموجب هذا الاتفاق الذي وصفته في بيان بأنّه «تاريخي» على كل أعمال بووي، أي ما مجموعه 27 ألبوماً، من أوّلها «ديفيد بووي» عام 1967 إلى أحدثها «توي» الذي صدر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، أي بعد وفاته، وتتضمن مئات الأغنيات، منها تلك الشهيرة جداً على غرار «سبايس أوديتي» و«زيغي ستارداست» و«هيروز» و«ليتس دانس».
واعتبر رئيس شركة «وورنر تشابل ميوزيك»، غي موت، في بيان، أنّ هذه الأعمال «ليست مجرّد أغنيات مذهلة، بل هي محطات بارزة غيرت مسار الموسيقى الحديثة إلى الأبد».
يتيح هذا الاتفاق لـ «وورنر ميوزيك» الحصول على مقابل مالي عن كل أغنية لبووي تُستخدَم على منصة بث تدفقي أو في فيلم أو في إعلان.
علماً بأنّ ثورة البثّ التدفّقي ساهمت في إعادة إطلاق الصناعة الموسيقية بعدما شهدت مرحلة صعبة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وباتت هذه التقنية تشكّل مصدر دخل رئيسياً لأصحاب حقوق الأعمال الموسيقية. ودخلت الصناديق الاستثمارية على غرار Hipgnosis هذا القطاع الذي كان في الماضي حكراً على بعض شركات التسجيلات الكبرى.
وفي تقرير حديث أصدرته الشركة، كتب أحد مؤسسيها ميرك ميركورياديس، وهو المدير السابق لأعمال إلتون جون، أنّ «الأغنيات ذات النجاح الكبير والتأثير الثقافي تنتج إيرادات مؤكدة وعلى المدى الطويل، وهي بالتالي أصول مربحة جداً».
كما تشير Hipgnosis إلى أنّها تملك حقوق أعمال 146 فرقة أو فناناً، من بينها أعمال «رد هوت تشيلي بيبرز» وجزء من أعمال نيل يونغ استحوذت عليها عام 2021، أي أكثر من 65 ألف أغنية تقدّر قيمتها بأكثر من 2,55 مليار دولار.
ولاحظ ميرك ميركورياديس أنّ إقفال الحانات وقاعات الحفلات الموسيقية خلال الجائحة أثّر سلباً على العائدات المتأتية من الفنانين الشباب، في حين أن الأعمال القديمة حققت «إيرادات مرتفعة في مجال البث التدفقي إذ مال المستهلكون إلى الكلاسيكيات أثناء فترات الحجر».
وفي نهاية العام 2020، استحوذت «يونيفرسال» على كامل أعمال بوب ديلان بمبلغ يقدر بـ300 مليون دولار.
ورأت Hipgnosis أن ثمة إمكاناً لتحقيق إيرادات على منصات أحدث مثل «تيك توك» أو «روبلوكس».
أمّا بالنسبة إلى الفنانين، لا سيّما الأكبر سناً، فثمة منافع ضريبية، على ما شرح لوكالة «فرانس برس» المحلل الموسيقي ومقدّم البرامج الإذاعية آلن كروس، لأنّ الضريبة على البيع بالجملة في الولايات المتحدة أقل مما هي على الدخل العادي.
لكن لا إجماع بين الفنانين على موجة بيع حقوق الأعمال هذه والتفرغ عنها لشركات مهتمة بالمضاربة. فتايلور سويفت التي تعتبر من أشهر المغنيات الأميركيات، حققت نجاحاً باهراً من خلال إصدارين جديدين لاثنين من ألبوماتها القديمة، بعدما أعلنت عزمها على إعادة تسجيل أول ستة ألبومات من أجل استعادة التحكم بحقوق أعمالها.
وقال آلن كروس الذي يدافع عن حقوق الفنانين في تحقيق الأرباح من أعمالهم «لو كنت فناناً ناجحاً، لحرصت أيضاً على امتلاك كل ما يمكنني بيعه لاحقاً»، متوقّعاً أن يؤثّر الواقع الراهن على إنتاج الأعمال الجديدة لأنّ من استحوذوا على حقوق تلك القديمة سيسعون إلى الإفادة من استثماراتهم، نظراً ألى أن الكلاسيكيات لا تزال تطغى على البرامج والأفلام والإعلانات التجارية.