من المؤكد أنّ المخرج السوري علي علي سيظلّ خلف المونتير بعد مرور 15 يوماً على الأقل من شهر رمضان حتى يكمل تصوير مشاهد مسلسله التاريخي «الحلّاج» (كتابة أحمد المغربي ــ إنتاج تلفزيون «أبو ظبي» والمنتج المنفذ شركة I See Media للمنتجين ياسر فهمي وإياد الخزوز). وبحسب ما اطّلعنا عليه وما عرفناه عن النص، فإنّ الحكاية تبدأ سنة 265 هجرية، أي في عصر الخلافة العباسية الثانية، وتواكب ما شهدته تلك الفترة من اضطراب في تداول السلطة... في تلك الفترة، سطع نجم «شغب» وهي إحدى جواري الخليفة المعتضد بالله وأم ولده جعفر، فلم تكن مجرّد امرأة عابرة، بل تمكّنت بذريعة اختلافها، وجمالها، وذكائها، وتمرّسها في السياسية من خوض صراعات جبارة لتمكين ابنها جعفر من الحكم... كما يلاحق الحدث بشكل ما مرحلة النزاع بين أنصار عبد الله بن المعتز وأتباع الفتى اليافع «المقتدر بالله»، بمعنى أنّ العمل يواكب هلهلة الدولة العباسية وصراعات العروش فيها، إضافة إلى الانفتاح على سوق النخاسة بمنطق بحثي يكشف عمق هذا المكان الغني بالمواهب! وتظهر هنا شخصية «النطل» الجذابة والإشكالية في الوقت نفسه، والتي تحمل وجهات نظرها في الحياة، وخبرتها المتراكمة من خلال التعامل مع جميع أصناف البشر بما فيهم السلاطين والملوك. المفارقة أنّ رجلاً استثنائياً مثل «الحلّاج» (يؤدي دوره النجم غسّان مسعود) عاش في تلك الفترة المربكة والمسيجة بتعقيدات السياسة وحروب السلطة، وتكريس معطيات سوق النخاسة! ورغم أنّ صاحب «الطواسين» خاض رحلة تنقل طويلة، إذ يعد أحد الرحالة الكبار في تاريخ الفكر الصوفي، لكنّه في المرحلة الأخيرة من حياته استقر في بغداد، ووجدت مواعظه وأفكاره وأشعاره الكثير من المريدين والمتحمسين. وفي المسلسل نرى بذرة الخلاف في الوصول إلى الله بين الطريقة الصوفية التي يمثّلها الحلّاج، و الطريقة الإسلامية الكلاسيكية التي يجسّدها القاضي أبو بكر محمد بن داود وذلك منذ مرحلة العمل الأولى المسماة «الأسرار» وتمتد على مدار الحلقات العشر إذ يتناظر الحلاج والقاضي أثناء الرحلة الأوّلى إلى الحج! ولعل هذا الخلاف هو أحد جذور المشكلة بين الاعتدال والتطرّف.