في الوقت الذي كان فيه المغني الشاب محمد محسن (1981 ـــ الصورة) يعتلي خشبة «المسرح القومي» في القاهرة لتقديم دوره في الأوبريت الغنائي «ليلة من ألف ليلة» (نص بيرم التونسي، وألحان أحمد صدقي، وإخراج محسن حلمي) إلى جانب زوجته الممثلة هبة مجدي والنجم يحيى الفخراني، كان يخصّص يوم الأربعاء من كل أسبوع (يوم إجازة المسرح) ليضع صوته على أغنيات ألبومه الجديد «حبايب زمان».
هذا العمل الذي يعتبر الثاني الذي يدخل في رصيد الصوت الواعد بعد ميني ألبوم «اللف في شوارعك» (2012) الذي صدر في الذكرى السنوية الأولى لثورة 25 يناير.
في حديث مع «الأخبار»، يقول محسن إنّه يرفض «التصنيفات والتسميات. لم أقبل يوماً بتسميتي مطرباً للثورة، لأنّني عندما خرجت إلى ميدان التحرير في 25 كانون الثامي (يناير) 2011، كنت كأي شاب مصري يحلم بالتغيير، من دون أي خلفيات سياسية، أو أجندة مخفية. حتى أنّنا لم نكن نملك بديلاً للرئيس الذي خلعناه...». لكن كيف كان لكل هذا الضجيج أثره في تحويل مسار حياة هذا الشاب من مهندس إلى مطرب؟ «كان أصدقائي يعرفون صوتي ومدى تعلقي بالتراث الشرقي، وعشقي لسيّد درويش ومحمد عبد الوهاب، والشيخ إمام، ولكلمات الشاعر محمد فؤاد نجم وغيرهم... طلبوا منّي الغناء في الميدان...». هناك، وبينما كان مصير وطن وشعبه على المحك، ظهر صوت جديد. في هذا السياق، يشير محسن إلى أنّه «لا أظن أنّ أي مطرب في العالم سبق أن سُنحت له فرصة الغناء في حفلة أمام مليون مشاهد. وبعملية حسابية بسيطة، افترضنا أنّ كل مجموعة منهم قدمت من منطقة مختلفة من مصر، فأكون أنا قد وصلت إلى مصر كلّها من خلال حفلة واحدة من ميدان التحرير، ومن دون المرور ببرامج الهواة ولا أي من طرق الترويج المتعارف عليها اليوم». عليه، وتماشياً مع المزاج العام، صدر «اللف في شوارعك» عام 2012، من كلمات الشاعر مصطفى إبراهيم، وألحان محمد محسن ناطقاً بلسان حال كل المصريين.

11 أغنية صُنعت بحب،
على مقامات شرقية
مثل البيات والراست

هذه الرواية عن شهرة اللحظة، لن تبحث يوماً عن نهايتها، كما فقاعات نجوم برامج الهواة أو أصوات صدحت على منابر «ثورات الربيع العربي». بعد مرور ثلاث سنوات، ترك هذا المهندس عمله، وأسس فرقته الموسيقية الخاصة، وتمسّك بحلم الفن، ثم اجتهد وغنى في «دار الأوبرا» في القاهرة، قبل أن يعمل مع مرسيل خليفة وأميمة الخليل، فيما قدّم موهبته للمسرح والدراما (مسلسل «زي الورد»)، ليُطلق أخيراً ألبوم «حبايب زمان» (إنتاج «مقام للإنتاج الفني» للمنتج السينمائي سيف عريبي صاحب فيلمي «القرد بيتكلم» و«الهرم الرابع»).
ألبوم من 11 أغنية، كتبها الشعراء نصر الدين ناجي، وأحمد المالكي، ومحمد عاطف، ونور عبدالله ومحمد مرزوق، ووضع ألحانها أحمد فرحات، وتامر علي، ومحمد النادي، وعمرو مصطفى وأحمد جنيدي. أمّا مهمة التوزيع الموسيقي، فتولّاها كل من أسامة الهندي وأحمد إبراهيم وأحمد فرحات ويحيى يوسف، إضافة إلى أغنية «تلغراف» التي لحّنها محسن لنفسه من أشعار مصطفى إبراهيم وتوزيع رفيق عدلي، وتحمل في طيّاتها كلمات مؤثرة وحزناً عميقاً لا ينجو منه أي إنسان عند فقدان عزيز.
يعترف محسن أنّ كثيرين حذّروه من مغبة إصدار ألبومه تزامناً مع صدور أعمال لنجوم كبار كعمرو دياب. لكنّه في إطار الردّ على فرضيات مثل الخوف من منافسة الكبار، أو تصنيفات الألبومات بين تجارية ونخبوية، وأخرى تلائم المزاج العام بحسب الفصول المناخية والأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية وغيرها، يشدّد محسن على أنّه «قدّمت في هذا الألبوم اقتراحاً لمطرب عاطفي اسمه محمد محسن، وأعرف أنّ الإجماع على الإعجاب بكل أغنيات الألبوم أو رفضها كلها أمر من المستحيلات». ويضيف أنّ ألبوم «حبايب زمان» يقدّمه هو «بالإصرار والعناد نفسَيْهما على أن أكون مختلفاً، لأنّني أشبه نفسي، خصوصاً أنّني لا أقدر على تقديم أغنية لا أحب كلماتها وأعشق لحنها. لذا، سيسمع الجمهور ضمن هذه الأغنيات الحديثة الولادة، مقامات شرقية عفا عليها الزمان وما عدنا سمعناها كالبيات والراست». من «حبايب زمان» إلى «تجربة الوحدة» أو «أصيلة يا بنت» وحتى «العالية راسي» و«زي أغاني زمان» وغيرها من أعمال هذا الألبوم، سيجد المستمع نفسه أمام جملة راقية من حيث الكلمة، ويطوف حتماً بنشوة الحنين مع كل نغمة موسيقية نسجت بأسلوب شقي في التوزيعات الموسيقية، وقد يصاب أحياناً بالدهشة إلى أن يقع في غرام أغنيته المفضلة.
مع ذلك، يستبعد محسن فرضية خروجه من المنافسة أو وصفه فنان النخبة، لأنّ جل ما أراده تقديم عمل يستوعب كلمات تليق بمسامع الناس مع ألحان تسبح في فلك الموسيقى الشرقية الأصيلة ضمن قالب الحداثة. وختاماً، يقول محمد إنّه «صنعت هذه الأغنيات بحب، وأعرف أنّ هذه المشاعر الصادقة ستتم ترجمتها لتصل إلى كل الناس على اختلافهم، لأنّ الموسيقى لغة عالمية، وما على كل فنان إلا أن يرسم حروف هذه اللغة بحسب وجهة نظره وإحساسه».