في الخامس من آذار 2018، صدر العدد الأول من ملحق «رأس المال» ليوزّع كلّ صباح إثنين كملحق أسبوعي مع «الأخبار». الفكرة التي اقترحها الرفيق محمد زبيب، كان هدفها اختراق الصحافة السياسية اليومية، بما يرفع من شأن المسألة الاقتصادية، والانتقال من مرحلة المتابعة البسيطة التي تغفل كلّ آثار عملية الإنتاج على المجتمع. وقدّم الملحق مادّة إضافية في تنوير مستويات جديدة من الجمهور، وتعزيز الروح النقدية لديه، ضمن سياق المعركة الطبقية التي لا تزال تتحكم بمصائر شعوب الأرض.وعندما اندلع حراك 17 تشرين في عام 2019، برز دور الملحق كرمز لتراكم دور «الأخبار» في رفع مستوى وعي من خرج إلى الشارع غاضباً. لكن الطاحونة اللبنانية، استولت على هذا الحراك سريعاً، وبيّنت أن الحوافز الفعلية عند الناس لتحصيل التغيير، ليست مرتبطة فقط بنتائج السياسات الاقتصادية. وسرعان ما نجح أرباب «العصابة العميقة» في توجيه الغضب نحو أمور أخرى. قبل أن ينتهي الحفل على حصاد الانتخابات بعد عامين ونصف العام.
في الأسابيع الأولى للحراك، ظهر التباين جلياً، بين إدارة تحرير «الأخبار» وبين هيئة تحرير الملحق برئاسة الرفيق محمد زبيب. تجاوز الخلاف المقاربة المهنية للحدث، ولامس أصل المقاربة السياسية لما يحصل. فقرر الرفيق محمد الاستقالة من الجريدة، وبات علينا العمل سريعاً لأجل تأمين استمرارية الصدور.

انقر على الصورة لتكبيرها

مع الوقت، واصل الملحق اعتماد السياسات النقدية لنتائج ومظاهر الأزمة التي تعصف ببنية الاقتصاد اللبناني، وحاولنا قدر المستطاع، الخروج من حلقة التشخيص، والبحث عن سبل لمقاربة الحلول ربطاً بالوقائع السياسية الكبيرة الناظمة في البلاد. وكل التمايزات التي ظهرت، عبّرت عن رغبة جادة من أجل إعادة الاعتبار إلى البحث الأساسي الذي قام الملحق من أجله، وهو مناقشة السياسات البديلة الممكنة في مواجهة النموذج الفاشل.
قبل أشهر طويلة، بدأ النقاش حول شكل تطوير الملحق. لكن الحديث أخذ بُعداً آخر عندما صار الأمر يتعلق بالجريدة ككل. وكانت فكرة العدد الأسبوعي الشامل، الذي سيصدر كل سبت عن «الأخبار»، وفيه مادة مختلفة عن المواد التي ترد في المعالجات طوال أيام الأسبوع. وهي فكرة لطالما كان الراحل جوزيف سماحة يتمنى الوصول إليها، ليس فقط عند تأسيس «الأخبار» بل حتى أيام العمل في «السفير». وكان هاجسه، إعادة الاعتبار إلى المجلة الأسبوعية الشاملة.
في هذا السياق، نسعى لاعتماد مقاربات مختلفة عما نقوم به في الصفحات اليومية. وسنعود لنطلق نقاشاً حول أصل السياسات القائمة، ونحاول بلورة سياسات بديلة، تكون قابلة للتحقّق وفق معطيات البلاد القائمة. وأن تمثّل هذه المهمة، عنواناً لمرحلة جديدة في النضال من أجل بلاد أفضل، ومن أجل سياسات عامة اقتصادية واجتماعية ووطنية أفضل. إذ لم يعد ممكناً الركون إلى ما هو قائم اليوم، ولا على الذين يمسكون بأدوات القرار، أو يتحكمون بمزاج الرأي العام، بواسطة مجموعة تقول ما كان يجب أن تقوله قبل سنوات طويلة.
في المرحلة المقبلة، سنبقى واقعيين في مقاربة الأمور. لكن واقعيتنا، ليست تلك التي تمنع السعي إلى التغيير، بل التي تقول لنا، إنّ لبنان، كما ساحات عربية كثيرة، يفتقد إلى البرنامج اليساري الإصلاحي، وهي معضلة تُضاف إلى معضلة أزمة اليسار في عالمنا اليوم. وحتى لا نبقى أسرى طروحات تُنسب إلى هذا أو ذاك من التيارات الفكرية القائمة، فإن هدف «الأخبار» هو السعي إلى برنامج إنقاذي يقوم على مبادئ بسيطة، تقول إنّ تحوّل البلاد من موقع التابع، والمستهلك المتلقّي، إلى موقع المستقلّ والمنتج العارف لأولوياته. وهو تحوّل يحتاج إلى سيادة وطنية حقيقية. ولا يستقيم الأمر من دون مقاومة واضحة، لكل مفهوم التبعية الذي يُعيد رسم الهيمنة الغربية على عقولنا، كما على بلادنا، وخصوصاً مع انتشار عالم المنظّمات (اقرأ العصابات) الناشطة في كل المجالات، والتي تخضع أولاً وأخيراً لمشيئة المموّل، الذي لا بدّ من مقاومته لأجل تحصيل استقلال فعلي، يُساهم ببناء اقتصاد يسمح بقيام الدولة العادلة.
هذه المرّة، نطوي صفحة مهنية، ونحن نشعر بأننا استنفدناها إلى آخر مدى، وأن علينا الإقرار بالحاجة إلى مفاهيم جديدة، ومقاربة صحافية جديدة للملفات الاقتصادية والاجتماعية.
يبقى أنّ من واجبي شكر كل من ساهم في هذه التجربة، من الرفيق محمد زبيب وبقية رفاقه. ويسجل للرفيق زبيب، أنه عمّم في قاموس النقاش المحلّي، مفردات مثل «الأوليغارشية»، و«البونزي»، و«الهيركات»، و«تهريب الودائع»، و«الانهيار الذي سيقع قريباً»، و«الفجوة» و«خلل البنية الاقتصادية والاجتماعية»... إضافة إلى أشياء وأرقام كثيرة، صارت أكثر تداولاً، وكان لها وقعها الفعلي، وليس كما يرد اليوم على لسان «خبراء اقتصاديين» ليسوا في حقيقة الأمر، سوى حفنة من الجهلة الذين لا يعرفون معنى الرقم، ولا يفهمون عنوان النقاش الأصلي.
كما أشكر الرفيق محمد وهبة، الذي قبل التحدّي مع ثلّة من الرفاق، وحاولوا تقديم الأفضل طوال الوقت، وإلى جانب كل هؤلاء، أشكر «رفاق الدرب»، من علي القادري وشربل نحاس وعبد الحليم فضل الله وآخرين، من الذين كان لهم أثرهم الكبير في ما نجحنا في تحقيقه، ونأمل أن نستمر معاً في بناء ما هو واضح وعصري ومواكب لكل تطوّر في هذا العالم.