تستخدم شركات مقدّمي خدمات الإنترنت سعات بقدرة 258314 ميغابايت، وهو ما يُتيح لها ربط أكثر من 770 ألف مشترك على الشبكة، لكن الإحصاءات الصادرة من «أوجيرو» تُشير إلى أنّ الشركات لا تصرّح إلّا عن 141935 مشتركاً تدفع عنهم الرسوم لوزارة الاتصالات. واللافت أن عدد السعات المستخدمة من الشركات يزيد بالتوازي مع تناقص في عدد المشتركين. ففي عام 2021 استخدمت الشركات 253538 ميغابايت وكانت تصرّح عن عدد مشتركين يبلغ 142061. وفي عام 2019 كان عدد السعات المستخدمة من الشركات يبلغ 125682 بينما كان عدد المشتركين يبلغ 146773. هذا يعني أنه فيما كان يتزايد عدد السعات التي تستأجرها الشركات من وزارة الاتصالات، كان عدد المشتركين يتناقص.هل هذا يعني أنّ الشركات تستثمر في هذه السعات من دون مردود؟ أم أنه يعني أن الشركات تُعيد تأجير بعض هذه السعات لشركات غير شرعية أو غير مصرّح عنها من دون التصريح عن عدد المشتركين للتهرّب من تسديد الرسوم؟

انقر على الجدول لتكبيره

الإجابة تكمن في المراسلة الموجّهة من «أوجيرو» إلى وزارة الاتصالات بتاريخ 19 نيسان 2022 بعنوان: «الإجراءات والخطوات الواجب اتخاذها لمنع ظاهرة الإنترنت غير الشرعي وزيادة ايرادات وزارة الاتصالات». وفي هذه المراسلة يُشير رئيس مجلس الإدارة - المدير العام لهيئة «أوجيرو» عماد كريدية، إلى أن عدد المشتركين غير المصرّح عنهم من الشركات زاد 157889 مشتركاً خلال أول شهرين من 2022 مقابل انخفاض عدد المشتركين المصرّح عنهم لوزارة الاتصالات 126 مشتركاً. وتأتي هذه الأرقام رغم أنه لم يُسجّل في قطاع الاتصالات أي تغيّرات بنيوية في تركيبة الأسعار ناتجة من ارتفاع سعر الدولار تؤثّر على عدد المشتركين (الزيادة في الأسعار ستبدأ اعتباراً من تموز المقبل). لذا، فإن التفسير الوحيد المتاح هو ما ذكره كريدية في الكتاب الموجّه لوزير الاتصالات بتاريخ 4 شباط 2022، مشيراً إلى احتمالَين:
- السعات الممنوحة للشركات الخاصة تفوق قدرتها على إضافة مشتركين جدد.
- الشركات تقوم بإخفاء أعداد المشتركين الإضافيين تفادياً لدفع الرسوم والاشتراكات.
يرجّح أن الشركات تمارس الاحتمال الثاني، أي أنها تستأجر سعات من الدولة بسعر منخفض يبلغ 125 ألف ليرة، ثم تُعيد تأجيرها أو تسمح لمستخدمين آخرين بربط مشتركين عليها بأسعار السوق (مسعّرة وفق الدولار)، وهذا يعني أن السعات تستعمل لتغذية الانترنت غير الشرعي. وهذا الاستنتاج مبني على سؤال مشروع: كيف يحصل آلاف المشتركين في الأحياء على خدمة الإنترنت؟ فمن المعروف أن آلاف الأحياء تتزوّد بالإنترنت عبر «إنترنت الحي» أو «ديوك الحي» الذين يحصلون على الخدمة عبر كابلات «فايبر أوبتيك» ممدودة في الهواء وغير شرعية وغير مصرّح عنها. هم ليسوا شركات، بل مجموعات تُسيطر على الأحياء بخلفيات حزبية أو عشائرية أو مافيوية، ولا تفسير تقني لكيفية حصولهم على الانترنت إلا من خلال إعادة التأجير أو ربط أنفسهم مع شركات خارجية. الإجابة الحاسمة متاحة لدى الشركات التي عليها أن تبرّر تقنياً وتجارياً كل هذه السعات التي تستأجرها بلا مشتركين، والشركات لا تريد ذلك قطعاً.

إذاً، ما الحلّ؟

اقترحت «أوجيرو» على وزارة الاتصالات مجموعة إجراءات:
- خفض السعات الممنوحة للشركات الخاصة وفقاً للحاجة المستخدمة وسنداً لأعداد المشتركين المصرّح عنهم فقط وبالتالي خفض قيمة المبلغ المدفوع بالدولار لهذه السعات بعد خفضها.
- أن تقوم الشركات الخاصة المذكورة وفقاً للجدول، بالتصريح عن الأعداد الحقيقية للمشتركين وفقاً لتقدير هيئة أوجيرو، ما يزيد من قيمة المبلغ المحصّلة.
- أن يتم رفع رسوم الخطوط التأجيرية (E1) من 125 ألف ليرة إلى 475 ألف ليرة وإبقاء هوامش متدنية مع التعرفة التي تُفرض على المستهلك.
- أن يتم تحويل الشركات المنشأة خلافاً للقانون، إلى شركات شرعية، عبر إتاحة المجال أمامها للتصريح عن نفسها والتقدّم بطلبات لاستثمار الشبكة والتصريح عن عدد المشتركين وتسديد الرسوم عنهم.
الاقتراح الأخير ورد في المادة 16 من مرسوم رفع أسعار خدمات الإنترنت واعترضت عليه الشركات الخاصة. وهذا كافٍ للدلالة على العلاقة بينها وبين «ديوك الحيّ» وعلى تهريب الرسوم عبر التهرّب من التصريح عن المشتركين، علماً بأنه لا يمكن استعمال الآليات التقنية المتاحة لمعرفة عدد المستخدمين الفعلي لخدمة الإنترنت عبر الشركات. فهذا الأمر معقّد تقنياً وصعب من دون موافقة الشركات للخضوع لهذا التعداد.