يدور سجال مُستعصٍ حول الاستمرار أو التوقّف عن دعم السلع الأساسية بالدولارات المتوافرة لدى مصرف لبنان. يزعم مصرف لبنان أنّه لم يعُد بإمكانه استعمال أكثر من 800 مليون دولار، لأن الأموال الباقية والبالغة 17.1 مليار دولار هي أموال المودعين التي لا يمكن المساس بها، ما يوحي، احتيالاً، بأنّ الأموال التي أُنفقت سابقاً لم تكن من أموال المودعين رغم أن كل ما أنفق سابقاً وسيُنفق لاحقاً خارج إطار ما يسمى الاحتياطات بالعملات الأجنبية هو من دولارات المودعين أيضاً.محور السجال مرتبط بمن يتحمّل مسؤولية اتّخاذ القرار عبر حصر الخيارات المتاحة بين الاستمرار بالدعم واستنزاف ما تبقّى من دولارات لدى مصرف لبنان، ووقف الدعم الذي يجب أن يتحمّل مسؤوليته شخصٌ من خارج نادي قوى السلطة. لكن هذا النادي، وباستثناء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ليس لديه أدنى فكرة عن حقيقة الأموال المتاح استعمالها للدعم أو لأيّ أمر آخر. فالدولارات التي أودعها أصحابها في المصارف واستقطبها مصرف لبنان عبر الهندسات ليوظّفها في تمويل الدين والاستهلاك، تبخّرت بمعظمها. ففي منتصف عام 2016، وفي حينه لم يكن مصرف لبنان يمارس دعماً مباشراً لاستيراد السلع الأساسية، كان لدى مصرف لبنان مخزون من العملات الأجنبية بقيمة 33 مليار دولار مقارنة مع 17.9 ملياراً اليوم. لكن ما أُنفق هو أكبر بكثير من الفرق بين الرقمَين لأنّ الإحصاءات تشير إلى صافي المخزون ولا تُظهر حجم العمليات. هناك تقديرات تشير إلى أنّ مصرف لبنان دفع 23.3 مليار دولار فوائد على ودائع وتوظيفات المصارف لديه بالدولار، وأقرض الحكومة نحو 13 مليار دولار وباع نحو 4 مليارات دولار من سندات اليوروبوندز، واستعمل نحو 12.9 مليار دولار من احتياطاته.
يتمنّى كثيرون لو انفجرت الأزمة في عام 2016 لأنّ ذلك يلغي فرص حصول سجال بشأن وجهة استعمال الاحتياطات في مسائل مثل دعم استيراد السلع الأساسية. لكن شاء سلامة، تحت أعين قوى السلطة وبرعايتها، أن يشتري الوقت حتى استُنزف القسم الأكبر من أموال المودعين التي استقطبها بفعل الهندسات والإغراءات الماليّة.


عملياً، بدأ الدعم في 30 أيلول 2019 حين أصدر مصرف لبنان تعميماً يُتيح استيراد البنزين والغاز والمازوت والأدوية والقمح وفق سعر الصرف الثابت بنسبة 85% من قيمة الاعتمادات المفتوحة لاستيراد هذه المواد. لاحقاً، شمل الدعم المستلزمات الطبيّة والسلع الغذائيّة، وتعدّلت الآليات وبعض نسب الدعم أيضاً، كما أن سلامة اتّخذ قرارات منفردة بتمويل بعض عمليات استيراد السلع والخدمات الحكومية أيضاً.
لم تكن هناك سياسة واضحة للدعم. فالحكومة ظلّت تطالب سلامة بكشف حساب عن قيمة الأموال المتوافرة من دون أن تحصل عليه، كان هو ينفق الدولارات لشراء الوقت ولتخفيف حدّة النقمة الشعبيّة الموجّهة ضدّه وضدّ قوى السلطة. لذا، فإنّ قرار وقف الدعم هو بمثابة مسار نحو تأجيج الاحتجاجات الشعبيّة وسط انهيار سعر الصرف، لكن الاستمرار به من دون خطّة واضحة بات قراراً قاتلاً يستنزف الأموال على الاستهلاك بلا أفق. هذه هي المعادلة الحقيقيّة التي يجب نقاشها.
في جلسة اللجان المشتركة لمجلس النواب الأخيرة، أوفد سلامة نائبه الثالث سليم شاهين. هذا الأخير، قدّم جردة عن الدعم في عام 2020، وتبيّن أنه منذ مطلع هذه السنة ولغاية نهاية شهر تشرين الثاني، أنفق مصرف لبنان نحو 5.7 مليارات دولار، منها 2.7 مليار دولار لاستيراد الفيول أويل والمشتقات النفطية، و1.2 مليار دولار لاستيراد الأدوية، و450 مليون دولار لاستيراد السلع الغذائية الصناعية والزراعية، و150 مليون دولار لاستيراد المستلزمات الطبية، و150 مليون دولار لاستيراد القمح، وسدّد متوجبات على الحكومة اللبنانية بقيمة 100 مليون دولار شهرياً.
الدولارات التي أودعها أصحابها في المصارف واستقطبها مصرف لبنان عبر الهندسات ليوظّفها في تمويل الدين والاستهلاك، تبخّرت بمعظمها


كل المقيمين في لبنان استفادوا من دعم المشتقات النفطية بنسب متباينة تبعاً لقدراتهم الاستهلاكية، أي إنّ الأكثر قدرة على الاستهلاك كان له نصيب أكبر من الدعم. وهذا الأمر يسري على القمح أيضاً، لكنه يختلف بالنسبة إلى دعم الأدوية والمستلزمات الطبية والسلع الغذائية. معدّل الدعم بالأدوية للأسرة الواحدة بلغ 880 دولاراً سنوياً، بينما دعم السلع الغذائية خدم مصالح التجّار حصراً. المستهلكون لم يشعروا بأن السلع المدعومة متوافرة، ولا شكّ بأن أموال الدعم نُهبت على يد التجار والمحتكرين. «الأخبار» تنشر لوائح دعم السلع الغذائية والصناعية والزراعية وحصّة الشركات، التي تُظهر أن 13 شركة في لبنان استحوذت على أكثر من 200 مليون دولار من الدعم الإجمالي البالغ 450 مليون دولار. أما السلع المدعومة، فهي فضيحة بحدّ ذاتها؛ لماذا ندعم البنّ ومبيّض القهوة؟ ولماذا ندعم الزبدة والأجبان المبسترة والبهارات والتوت والمشمش المجففين والدبس والخلّ والعصفر؟ لماذا ندعم شفرات الحلاقة ومبيدات الحشرات والبطاريات وورق التواليت ولفائف الألمنيوم؟
إذاً، ما البديل؟ يوم الأربعاء المقبل سيعقد الوزراء الأربعة المعنيون بالدعم (طاقة، زراعة، صناعة، اقتصاد) بالإضافة إلى نائبة رئيس الحكومة المستقيلة زينة عكر، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، اجتماعاً لتقديم اقتراحاتهم بهذا الشأن بعد قرار مجلس النواب النأي بنفسه عن هذه المسألة التي يعتقد أنها من اختصاص الحكومة. هناك اقتراحات متداوَلة عن تقليص الدعم وترشيده عبر بطاقات تمويلية وتموينية للأسر التي تحتاج إلى دعم، لكن الحكومة لا تعلم بعد من هي هذه الأسر. وهناك آراء أيضاً عن تمويل الدعم بقروض أو مساعدات خارجية وليس اعتماده فقط على دولارات مصرف لبنان.
«الأخبار» استطلعت بعض الآراء في هذا المجال، وقد أجمعت على ضرورة أن يكون الدعم ضمن رؤية إنقاذية شاملة، لا أن يكون مجرّد إجراءات ضمن قفص مغلق. فالدعم، أيّ دعم، سينتهي عاجلاً أم آجلاً، سواء استُعملت الدولارات المتبقية في مصرف لبنان، أو اقترض لبنان المزيد من الخارج. الدعم يؤمّن الحماية للشرائح الأقل قدرة، لكن الحماية الأساسية تكون عبر الإنقاذ الشامل للاقتصاد. إنفاق الأموال على الاستهلاك بلا أفق هو جريمة.

عبد الحليم فضل الله: الدعم واجب وتحرير أموال المودعين أيضاً
يجب الأخذ في الاعتبار حجم الموجودات الفعليّة بالعملات الأجنبية والسيولة المتوافرة لدى مصرف لبنان وإدارتها بما يتناسب مع احتياجات الدعم الفعلية والضرورية بعد ترشيده. يمكن خفض كلفة الدعم إلى النصف مع الأخذ في الاعتبار وجود هدر لا يمكن التخلّص منه، أي من دون أيّ افتراضات غير واقعية. لكن الأساس أن دعم الفئات المستحقّة أمر ضروريّ جداً؛ هناك فئتان من المستحقين للدعم: من هم مشمولون بنسب الفقر المزمن، والمستحقون مؤقتاً الذين أصبحوا فقراء بسب الأزمة، وهم قد يكونون من الطبقة الوسطى أو الوسطى العليا. الجانب الاجتماعي مهمّ، لكن يمكن أيضاً دعم المؤسّسات لأهداف اجتماعية لتمكينها من عبور الأزمة بشرط الحفاظ على مستوى التشغيل والعمالة. كذلك يمكن التفاوض مع المؤسسات المتعثّرة والعمّال لتلافي شرّ الصرف من الخدمة.


الأفضل أن يكون الدعم عبارة عن تقديمات نقدية لهذه الأسر، لكن كيف يمكن تحديد هذه الأسر؟ ومن أين سيتمّ تمويل الدعم؟ هناك ثلاث نقاط أساسيّة يجب درسها سريعاً:
- تحديد الأسر الأكثر فقراً: هناك جهود في وزارة الشؤون الاجتماعية لتحديد المعايير التي تميّز هذه الأسر عن غيرها، إلّا أن الأمر قد يستهلك مدى زمنيّاً أطول، فيما هناك حاجة ملحّة. لذا، يمكن القيام بعملية التحديد عبر منهجيّة الاستبعاد بحسب المداخيل مثلاً، أصحاب الوكالات وأعضاء مجالس الإدارة… ويمكن تحديد معايير أوسع، أي أن نضخّ أموالاً للمودعين بما يساوي مبالغ الدعم النقديّ المباشر.
- هناك حدود في ترشيد الدعم هل يمكن ترشيد استهلاك البنزين مثلاً عبر بطاقات ذكية وضمن سقوف معيّنة ربطاً بحاجات العمل طالما ليس هناك نقل عام ونظام مواصلات.
- لسنا مخيّرين في مسألة الدعم النقدي، ولسنا مخيّرين بين الأسر والمودعين، بل هو واجب السلطة النقدية أن تستقطب المزيد من الدولارات لتغطية الحاجات. لا أظن أنها تريد، لكنها قادرة على تعبئة المزيد من العملات الصعبة. ومن واجب المصارف أن تكون جزءاً من العمل الإنقاذي والإغاثي. علماً بأن هذا الطرح لا يأخذ في الاعتبار التمويل الخارجي المطروح.
إعادة أموال المودعين هو واجب النظام المصرفي بكامله، أمّا الدعم فهو يقع على عاتق الحكومة، ومن واجب مصرف لبنان أن يغطّي الموازنات بقيم حقيقية.
عندما نُفّذت الهندسات المالية قررت السلطة النقدية استعمال الأموال، لكن جزءاً أساسياً من الاستنزاف كان عبارة عن تحويل هذه الأموال إلى الخارج. يومها استعملنا أموال المودعين في اتّجاهات ثانية، ولكن عندما وصلنا إلى الاستحقاق المتعلّق بالمستهلك والأسر المهمّشة طرحنا سؤالاً خاطئاً عن استعمال الاحتياطات التي نحتاج لها… المشكلة في عشرات المليارات التي أُنفقت سابقاً.

أديب نعمة: التدخّل عبر حزمة إجراءات متكاملة
أعتقد أن مجرّد طرح فكرة عدم وجود خيارات سوى رفع الدعم أو الإبقاء عليه واستنزاف الاحتياطات بالعملات الأجنبية هو أمر خاطئ، سواء في ظلّ الدعم الحالي أو مع ترشيده. فالمسألة لا تتعلّق بإجراء معزول، كما يجري إظهارها، بل هي ناتجة من الانهيار والتدهور في معيشة الناس بسبب البطالة المتفاقمة، وفقدان السيولة وتضخّم الأسعار، وتدهور سعر الصرف، وتقليص الاستيراد، وعدم وجود نشاط اقتصادي ونشاط محلي… كلّ هذه المسائل تُعالَج من زاوية واحدة: استعمال الدولارات المتوافرة في الدعم الذي يصبّ أكثر من نصفه في جيوب المهرّبين والتجار.


من المستغرَب أن يكون التعاطي مع كل هذه المسائل انطلاقاً من زاوية ضيّقة باعتبار أنها الوحيدة للحلّ بدلاً من العمل على رسم سياسات وإجراءات متكاملة. فالإجراء الجزئيّ لا يمكنه بأيّ شكل من الأشكال أن يكون نافعاً ومفيداً للحلّ المطلوب. حتى من يقول إننا مجبرون على التدخّل السريع عليه أن يسأل نفسه: إلى أيّ مدى يمكن أن يستمرّ الدعم؟ إذا كان الأمر ممكناً لشهر أو شهرين أو ثلاثة، فالاستمرار بالدعم من هذه الزاوية سيوقعنا في ورطة أكبر من التي نشهدها اليوم. لذا، من الضروري أن تكون هناك وجهة محدّدة: ما الذي نقوم به، وما الذي لا نقوم به؟ يجب أن يكون التدخّل عبر حزمة إجراءات متكاملة تهدف إلى تحسين معيشة المواطنين في المدى المنظور. أما من يقترح إبقاء الدعم، فهو يعتقد أنه يعالج المشكلة عبر تمديد أجل استحقاقها بضعة أشهر إضافية، لكننا سنقع لاحقاً وسنكون في وضع أصعب وأكثر تعقيداً.
لا يجب أن نبقى في قفص فكرة الدعم الذي صنعناه بأيدينا. يجب الخروج منه والبحث في رفع مستوى معيشة المواطنين وتلبية احتياجاتهم والوسائل المتاحة. لا يمكن أن تكون هناك وسيلة وحيدة، وحتماً ليست الآلية الحالية للدعم. ففي الفترة الماضية أُنفق الكثير من الدولارات، لكن لم تتحسن معيشة الناس، فلماذا نتوقّع أن يكون الأمر أفضل خلال بضعة أشهر إضافية؟ يجب الأخذ في الاعتبار، أن عدد الناس الذين يحتاجون إلى الدعم تضاعف، بينما يمكن التخفيف من أعباء الدعم عبر تحرير قسم من الودائع. إذا فُتحت إمكانية حصول المودعين على أموالهم، فسينخفض عدد المحتاجين إلى المساعدة، فضلاً عن أن خطوة كهذه ستحفّز بعض الأعمال الصغيرة المرتبطة بالدعم وستعزّز عملية التشغيل في عدد لا يستهان به من المؤسسات.

كمال حمدان: الإستمرار بهذه الوتيرة سيؤدّي إلى خراب كبير
أنا مع خفض كلفة الدعم، ورفعه عن بعض السلع والتمييز بين السلع التي تحتاج إلى الدعم وتلك التي يمكن تحرير سعرها. ففي ظلّ المعطيات الحالية لا يمكن أن يحصل هذا الأمر، لكن بالمطلق يجب ترشيد الدعم حتى لا يكون اعتباطياً. كما كنّا متيقّنين أيام الهندسات أن الكلفة ستتضاعف وستؤدّي إلى خراب كبير، فإنّ الاستمرار بهذه الوتيرة من الدعم سيؤدّي إلى النتيجة المحتومة نفسها.


فما الذي سيتغيّر اليوم أو بعد 4 أشهر على سبيل المثال؟ الأمر منوط برسم رؤية إنقاذية ليتحمّل الجميع الكلفة. يتطلّب الأمر الدخول في تفاصيل كلّ عمليات الدعم سلعة سلعة. لنأخذ الأدوية على سبيل المثال: هناك ما يفوق ثلث الأدوية المبيعة في السوق، لا يُستهلك كثيراً (مرّة أو مرتين في السنة لعدد من الأشخاص)، وهناك ثلث يتعلق بالأدوية المزمنة التي تُستهلك بوتيرة دائمة من عدد معيّن أيضاً، وهناك أقلّ من الثلث يتعلق بالأمراض المستعصية والسرطانية. ألا يمكن الاستغناء عن دعم الثلث الأول؟ ألا يمكن أن يكون الدعم موجّهاً للأدوية الأقل سعراً (جينيريك)؟ طبعاً لا يمكن المساس بالفئتين الثانية والثالثة، لكن يمكن تقليص الدعم على الفئة الأولى. الأمر ينطبق أيضاً على مسألة القمح والطحين وبعض أنواع المحروقات. ليست هناك ضرورة مبرّرة من أجل إبقاء الدعم على كلّ هذه السلع.

كميل أبو سليمان: التمويل الخارجي يتطلّب صدقية غير متوافرة


أنا مع تصويب الدعم إذ أُقرّ للناس الذين يحتاجونه فعلاً، وتحديد هذا الأمر يتطلّب وجود معايير واضحة بعيدة عن السياسة وعن المحاصصة. لذا، يمكن أن يُقرّ الدعم بحسب معايير البنك الدولي. أما اعتبار الدعم استنزافاً لودائع الناس، فهذا الأمر يحتاج إلى توضيح. في الأساس إن الأموال التي استُعملت هي أموال الودائع وليست قصة قديمة. الأمر المستجد في هذه المسألة، أننا اليوم وصلنا إلى حدود متعلّقة بكمية الدولارات المتوافرة. بات لدى الناس فكرة واضحة عما تبقى من ودائع الناس لدى مصرف لبنان.
حالياً، إن آلية الدعم المعمول بها تتيح أن يموّل هذا الدعم قسماً كبيراً من عمليات التهريب، بينما هناك قسم آخر يذهب إلى ناس غير محتاجين له. فإذا لجأنا إلى معايير البنك الدولي يمكن توفير التهريب وتصويب الدعم نحو العائلات التي تحتاجه فعلياً. وهذا الأمر ليس نظرية فقط، بل هناك نماذج حول العالم قامت بذلك. فعلى سبيل المثال، مصر أوقفت الدعم العام، ثم أعادت تصويبه بناء على معايير واضحة استهدافية. صحيح أن هناك مشاكل في لبنان بشأن تحديد لوائح العائلات التي يجب دعمها، إنّما الأمر يتطلب معايير واضحة بكل الأحوال.
يمكن خفض كلفة الدعم إلى النصف مع الأخذ في الاعتبار وجود هدر لا يمكن التخلّص منه، أي من دون أيّ افتراضات غير واقعية


بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تمويل الدعم ممكن من دون المسار بالدولارات المتوافرة لدى مصرف لبنان، لكن الأمر يعتمد على وجود معايير غير استنسابية. ففي برامج صندوق النقد الدولي، مسموح أن تقوم الدولة، أي دولة، باستعمال قسم كبير من التمويل الذي ستحصل عليه، من أجل الدعم الاجتماعي. المشكلة أنه لا أحد يجرؤ على اتّخاذ القرار. التمويل يتطلب صدقية. والحكام في لبنان ليسوا ذوي صدقية وعليهم أن يثبتوا جدّيتهم وصدقيتهم.



450 مليون دولار أُنفق نصفها على 13 شركة
من اللافت جداً، أن يتركّز نحو نصف الدعم المخصّص لاستيراد السلع الغذائية والصناعية والزراعية في 13 شركة من أصل 250 شركة استفادت منه. من بين الشركات العشر هناك شركتان تعملان في صناعة الزيت، وهي بمجملها صناعة تكريرية في لبنان قد يكون عليها عشرات الملاحظات البيئية والصحية. كذلك، ورد من بين الشركات العشر محامص ومستوردو بنّ وبذورات. القسم الأكبر من القيمة المضافة المنتجة في السلع التي تُقدّم للمستهلك، فضلاً عن أنها ليست سلعاً تحتل أولوية في سلم الهرم الغذائي، تكمن في التعليب، أي إنها لا تقع ضمن الصناعات الأساسية أيضاً. واثنتان من الشركات ذات النصيب الأكبر من الدعم، هما مطاحن للحبوب تقومان بطحن القمح وتحويله إلى الطحين، وبجمع الأعلاف أيضاً. لماذا مثلاً يتركّز هذا الكم الهائل من الدعم في شركة هوا تشيكن، مع أن هناك عشرات الشركات المعنية بإنتاج الفروج؟ تظهر حصص الشركات التي استفادت من الدعم أن 192 شركة من أصل 250 شركة كانت حصّتها أقلّ من 10% من مجمل قيمة الدعم. ثمّة ملاحظة أساسية اقترحها النائب ميشال ضاهر: يجب أن يُستبدل الدعم من دولارات مصرف لبنان بمليون ليرة نقدية لكل عائلة على أن يُموّل الأمر بزيادة ضريبة القيمة إلى 12%. هو ضاهر نفسه الذي يملك مصنع ماستر شيبس الذي استفاد من الدعم بقيمة 5 ملايين دولار. على هذا الشكل يُقرّ الدعم في لبنان وينتقد من المنتفعين الذين يسعون إلى إفقار الناس بزيادة الضرائب الاستهلاكية، وكأنه لم يكفهم أن التضخّم الوسطي بلغ 137% في نهاية تشرين الأول، فيما التضخّم الوسطي لـ11 شهراً بلغ 73%. ألا تكفي هذه الضريبة على الفقراء والمهمّشين؟

انقر على الصورة لتكبيرها



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا