في إطار عمله على توثيق القوانين المتعلّقة بالتنظيم المدني في لبنان وتحليل آثارها على المشهد العمراني، أصدر المرصد الجامعي للإعمار وإعادة الإعمار (مجال)، التابع للأكاديميّة اللبنانيّة للفنون الجميلة (ALBA) كتاباً بحثيّاً تحت عنوان «الشاطئ». في ظلّ الهجمة المستشرية على الشاطئ اللبناني من المستثمرين، والمشرّعين أنفسهم، عبر الترخيص بإشغال الأملاك العمومية البحرية لمشاريع لا تحترم حتّى الشروط المنصوص عليها في القوانين، والتغاضي عن آلاف المشاريع المتعدّية من خلال إقرار قانون تسوية لها. يوثّق هذا العمل مجمل النصوص التي تشكّل الإطار القانوني للشاطئ اللبناني لفهم التحدّيات الراهنة، كما يطرح توصيات لحلول عمليّة تهدف إلى استعادة دور الشاطئ الحيوي في الحيّز العام وضمان حق المواطنين بالوصول إليه. يستعيد هذا المقال الخطوط العريضة التي تناولها البحث، لا سيّما التغيّرات في النصوص القانونية، لنظهر كيف كرّست الدولة الاستثمار على الشاطئ اللبناني تدريجاً، على حساب المصلحة العامّة. ولنطرح وجوب تصحيح هذا المسار في القانون اللبناني بعد توقيع لبنان بروتوكول مدريد في 1 آب 2017 المتعلّق بالإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية في حوض البحر الأبيض المتوسط.
1


1925 – 2017: مراسيم تشوّه الشاطئ والقانون
حُدّدت الأملاك العمومية البحرية بالقرار 144/S الصادر عن المفوّض السامي الجنرال سراي في 10 حزيران 1925، والذي له قوّة القانون. وهي «تشمل شاطئ البحر حتّى أبعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء وشطوط الرمل والحصى (...) والغدران والبحريّات المالحة المتّصلة رأساً بالبحر والسدود البحرية أو النهرية والمرافئ والفرض البحرية والخلجان...». وبالتالي حدود الأملاك العمومية البحرية ليست ثابتة عبر الزمن، وإنّما قابلة للتغيّر بفعل العوامل الطبيعية، مثل تآكل الشواطئ أو تراكم الرمال. إلا أن مساحة الأملاك العمومية البحرية لا يمكن أن تتقلّص إذا تراجعت مسافة الأمواج، ولكن باستطاعها أن تتوسّع، وهي أيضاً لا تباع ولا تكتسب ملكيّتها بمرور الزمن. أي إن كل قطعة أرض مُدرجة ضمن الأملاك العمومية البحرية لا يمكن أن تُخرج منها لإلحاقها بأملاك خاصة متاخمة لها إذا تراجع مستوى البحر بفعل التغيّرات المناخية والطبيعية. كذلك، إذا ارتفعت مياه البحر وغطّت أجزاءً من العقارات الخاصة، يتم تحديث حدود الأملاك العمومية البحرية لتشمل هذه الأجزاء. ويلحظ القانون الفرنسي قراراً للمجلس الدستوري يشرّع إضافة هذه الأجزاء من العقارات الخاصة إلى الأملاك العمومية البحرية من دون دفع أي تعويض للمالك، لكنه في الوقت نفسه يجيز له بناء حاجز على حدود عقاره ليحميه من عملية تآكل الشواطئ عند الضرورة.

أنقر الصورة للتكبير

كيف يُفسّر إذاً وجود بعض العقارات الخاصّة على الشواطئ، كما هي الحال في الرملة البيضا (بيروت) مثلاً؟ لا بدّ أن ملكيّة هذه العقارات سابقة للقانون وتعود لزمن لم يكن ممنوعاً فيه تملّك شاطئ رملي. وبعد صدور هذا القرار 144/S لم تعتبر الدولة آنذاك أن هناك مبرّرات لاستملاكها (أقلّه حتّى إثبات العكس). فالمادة الثالثة من القرار تحافظ على حقوق الملكيّة أو التصرّف التي «لا يمكن انتزاعها إذا أحوجت إليها المنفعة العامة إلّا بعد تعويض عادل ومسبق». وإذا كانت الأملاك العمومية مُعدّة بطبيعتها لاستعمال المصلحة العامة، يفتح هذا القرار باباً للاستثناء، فهو يتيح الإشغال الخاص بشرط المحافظة على حقوق الغير، على أن يكون هذا الإشغال مؤقّتاً (لسنة واحدة قابلة للتجديد) ومقابل رسم، ويحق للإدارة العامة إلغاءه من دون أي تعويض متى تشاء. وتباعاً، صدرت مراسيم عدّة بعد الاستقلال لتحدّد تفاصيل الإشغال المؤقّت للأملاك العمومية البحرية، والتي لم تكن واضحة في القرار التشريعي لا سيّما البدلات المترتّبة والآلية المتّبعة. غير أنها ابتعدت كثيراً عن مفاهيم المصلحة العامة المُكرّسة في القانون فشوّهته وغلّبت مصالح المستثمرين. في العام 1949، شُكّلت لجنة دائمة مهمتها تحديد الرسوم المتوجّبة على إشغال كل الأملاك العمومية. وفي العام 1963، حُدّدت للمرة الأولى البدلات المترتّبة على إشغال الأملاك العمومية البحريّة من دون إنشاء أي بناء، وعُدّلت لاحقاً بالمرسوم 2522/1992 (والذي ما زال يطبّق حتّى اليوم) لتشمل أيضاً المساحات المبنيّة كافة، بما فيها الطوابق السفلية وطابق الأعمدة والشرفات (بينما لا تدخل هذه المساحات في معدّل الاستثمار العام حسب قانون البناء). وهنا يكمن التشويه الأول للقرار التشريعي 144/S عندما تحوّلت الإجازة بالإشغال المؤقّت إلى ترخيص بالإشغال يشمل أيضاً الترخيص بالبناء، وذلك بموجب المراسيم الصادرة عامي 1964 و1966 وتعديلاتها، خلافاً للقانون الذي لا يجيز البناء الدائم.
في العام 1964، برزت رؤية جديدة للشاطئ اللبناني تعطيه دوراً أساسياً في النهضة الاقتصادية وسياسة جذب الاستثمارات. فصدر المرسوم رقم 17614 لينظّم استثمار الأملاك العمومية البحرية غير المُستثمرة حالياً عبر إصدار مراسيم خاصة تُمنَح بقرار من وزير الأشغال العامة والنقل. واقتصر المرسوم على تحديد تفاصيل الإجراءات الإدارية التي على طالب الترخيص أن يتبعها. أمّا نظام إشغال الأملاك العمومية البحرية المتَّبَع اليوم، فقد حُدِّد بالمرسوم رقم 4810 الصادر في 24 حزيران 1966، وربط إمكان الإشغال بضرورة تملّك عقار متاخم للأملاك العمومية البحرية، وفرض شروطاً خاصة لهذه العقارات (مساحة دنيا، نسبة طول/عمق العقار...)، على أن تكون الأملاك العمومية البحرية المُراد إشغالها واقعة في منطقة مُصنّفة سياحيّة أو صناعيّة وفقاً لخرائط مرسوم تنظيم الشواطئ اللبنانيّة. وقد شدّد المرسوم 4810 على الصفة العامة والجدوى الاقتصادية للمشروع المنوي إنشاؤه كشرط أساسي للحصول على ترخيص بالإشغال (المادة الأولى – أ – 1). وللمرّة الأولى، وضعت معدّلات استثمار سطحي وعام لإشغال الأملاك العمومية البحرية (مع إمكان طلب الاستثناء لزيادة مساحة البناء)، وأصبح بذلك البناء مُشرّعاً على الشاطئ. فالمرسوم يُحدّد مرحلتين واضحتين: «ترخيص بإشغال الأملاك العمومية البحرية» و«رخصة بناء المؤسّسات»، وإنّما على هذه الإنشاءات «ألّا تشكّل عائقاً لوحدة الشاطئ».
5.3 ملايين متر مربّع هي المساحة المشغولة من الأملاك العمومية البحرية، و54% منها مخالفات وتعدّيات

نرى اليوم أن هذه الشروط لا تحترمها أي من المؤسّسات السياحية على طول الشاطئ اللبناني، على الرغم من ذكرها بوضوح على كلّ التراخيص الخاصة الممنوحة، فكلّها تحتكر الشاطئ وتُشيّد الحواجز لتعزل الأملاك البحرية المستثمرة وتمنع وصول المواطنين المجاني إليها أيضاً، خلافاً لكل النصوص القانونية التي «تضمن حقوق الغير»، لا سيّما قانون تحديد الأملاك العمومية البحرية، والمراسيم التي تسمح إشغالها، وحديثاً قانون البيئة الذي «يمنع الأشغال على الأملاك العمومية البحرية أو النهرية التي تعرقل الولوج الحرّ إلى السواحل والشواطئ الرملية».
إذاً حدّد المرسوم 4810 الإطار القانوني للاستثناء، الذي بات مُعمّماً على مجمل الساحل اللبناني بعد تعديله في العام 1980 لإلغاء شرط الجدوى الاقتصادية. فقد صدر المرسوم 3543 الذي سمح بإشغال الأملاك العمومية البحرية على كل الأراضي اللبنانية مهما كان تصنيفها، ما أدّى إلى تشويه شبه كلّي للواجهة البحرية، نتيجة إصدار مراسيم استثنائية في شكل عشوائي من دون أي تخطيط، لا يتقيّد أصحابها حتّى بالشروط المفروضة. أضف إلى ذلك آلاف الأبنية والمنتجعات المتعدّية على الشاطئ، التي ظهرت في فترة الحرب وبعدها من دون أي محاسبة، فارتفع جدار من الباطون على الساحل اللبناني، يشوّه البيئة وهوية المدن الساحلية ويحرم المواطنين من حقّهم المشروع بالولوج الحرّ إلى البحر والاستمتاع بأملاكهم العامة.

2


1068 تعدٍّ: 20% فقط من الشاطئ مُتاح للعموم
أصدرت وزارة الأشغال العامة والنقل - المديرية العامة للنقل البحري والبري تقريراً مفصّلاً بالإشغالات والتعدّيات على الأملاك العمومية البحرية في العام 2012. وثّق هذا التقرير بالأرقام والأسماء الإشغالات على الشاطئ اللبناني، التي بلغت 5.306.994 متراً مربّعاً، تشمل مجموع الردميّات والأبنية وإشغال المسطّح المائي، و54% منها تعدّيات على الأملاك العمومية البحرية. إلّا أنّ هذا الرقم بعيد عن الواقع، إذ لا يشمل ردميّات الوسط التجاري في بيروت، ولا ردميّات ساحل المتن (مارينا ضبيه)، ولا المؤسّسات التابعة للجيش اللبناني وغيرها من المؤسسات العامة. وفي دراسة حديثة من إعداد معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند، أظهر مسح التغيّرات على الساحل اللبناني أن مساحة الردميّات وحدها بلغت 8 ملايين متراً مربّعاً، ما يحتّم نتائج كارثية على البيئة البحرية والثروة السمكية. فإذا كان طول الشاطئ اللبناني 220 كلم، فإن 40 كلم فقط لا تزال مفتوحة للعموم، أي ما يقارب 20%. وقد أصدرت الدولة اللبنانية 73 مرسوماً وفقاً للأصول يرخّص بإشغال الأملاك العمومية البحرية، فيما بلغت التعدّيات 1068 تعدياً. وفي ملحق لهذا التقرير أعدّت وزارة الأشغال لائحة بالغرامات المُسدّدة وغير المُسدّدة، وهنا المفاجأة: فقد تمّ تسديد 9 غرامات فقط وأزيلت المخالفة، فيما اقتصرت لائحة الغرامات المفروضة وغير المُسدّدة على 106 غرامات فقط لا غير. وخلص التقرير إلى اقتراح مشروع قانون لتسوية المخالفات على الأملاك العمومية البحرية.
ولكن، كيف تعالج التعدّيات في ظلّ الإطار القانوني الراهن للأملاك العمومية البحرية؟

أنقر الصورة للتكبير

المادة 23 من القرار التشريعي 144/S واضحة: هدم الأشغال المُقامة بصورة غير مشروعة وفرض غرامة. وقد صدر القرار رقم 7 تاريخ 11/1/1974 عن وزيري الأشغال والداخلية ليؤكّد ذلك، ويعطي تعليمات مشتركة لتنسيق العمل في ما يتعلّق بضبط وإزالة المخالفات على الأملاك العمومية البحرية، و«تنفيذاً للقوانين السارية المفعول» تُزال المخالفات بالهدم على نفقة المتعدّي. فتسوية التعدّيات لم تكن واردة، وطرحت للمرّة الأولى في العام 1983 بالمرسوم الاشتراعي رقم 144، ولكنه لم يطبّق نتيجة الأوضاع السياسية والحرب. أمّا اليوم، بعد تفاقم التعدّيات، أُدرج مشروع التسوية المُقترح من قبل وزارة الأشغال في المادة 11 من قانون السياسة الضرائبية في تشرين الأوّل 2017 تحت عنوان «معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك العمومية البحرية». هذا التحوّل التدريجي في المصطلحات، من تعدٍّ إلى مخالفة فإشغال غير قانوني، يعكس مرّة جديدة انحياز المشرّع لمصالح المستثمرين على حساب المصلحة العامّة. فحتّى لو أن القانون ينصّ بوضوح على أنّ «معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك العمومية البحرية لا ترتّب للمخالف أي حقوق مُكتسبة بوجه الدولة»، نجده يضحّي بالأبعاد المتعدّدة للشاطئ تراثياً وطبيعياً وثقافياً وبيئياً. فعوضاً عن انطلاقه من مبدأ حقوقي يراعي وظيفة الشاطئ الاجتماعية والسياحية، يعتمد منطلقا مالياً بحتاً بحجّة تمويل صناديق الدولة المهدورة. غير أن الغرامات المفروضة أتت زهيدة جدّاً، وترتكز على سعر المتر المربّع وفق التخمين المُعتمد في العام 1992. كما أنّ احتساب الغرامات يتمّ عبر تطبيق نسب مضاعفة على البدلات السنوية (كما حدّدها المرسوم 2522 في العام 1992)، وتتراوح هذه النسب بين 1.75% و3.5% حسب حالة التعدّي. أمّا الرسوم التي تطبّق على الفترة اللاحقة لتاريخ المعالجة، فهي لا تتجاوز 1.5%. هذه النسب متدنّية جدّاً لإشغال الأملاك العمومية مقارنةً مع النسب المعتمدة مثلاً للرسوم البلدية على القيمة التأجيرية للأملاك الخاصة، والتي تبلغ 6.5 % للأماكن المُستعملة للسكن و8.5% لغير السكن، ما يعني أن هذا القانون لن يأتي بعائدات مالية كبيرة على خزينة الدولة، خلافاً لمبرّرات وجوده.
فيما يشكّل البحر حدود لبنان الغربية بكاملها، نجد أن اللبنانيين محرومون من الاستمتاع به. فقد احتلّت الأبنية الشاطئ واليوم تحتلّه المطامر، لا سيّما مع قرار مجلس الوزراء في 11/01/2018 بتوسيع مطمري الكوستابرافا وطرابلس، في مخالفة واضحة لقانون حماية البيئة الذي يمنع الطمر وتلويث الشاطئ من جهة ولتوجيهات الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانيّة من جهة أخرى. وإذا كان قانون البيئة لا يحمي على نحوٍ فعّال الشاطئ إذ يطرح النوايا من دون إجراءات تطبيقية حقيقية، يفتح بروتوكول مدريد الذي وقعه لبنان في العام 2017 آفاقاً جديدة مهمة في هذا الشأن، كون على لبنان إصدار قانون خاص بالمنطقة الساحلية وهو ما سينتج رؤية جديدة متكاملة لها.

3


بروتوكول مدريد والتزام لبنان الدولي: نحو قانون فعّال للإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية
وقّع لبنان بروتوكول مدريد، الذي أصبح نافذاً منذ 31 آب 2017، ويهدف إلى تعزيز الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية (ICZM) في حوض البحر الأبيض المتوسط، مع الأخذ بالاعتبار حماية المناطق ذات الأهمية الإيكولوجية والمناظر الطبيعية والاستعمال الرشيد للموارد. بمعنى آخر، يوسّع البروتوكول نطاق الحماية لتتخطّى حدود الأملاك العمومية البحرية وتشمل كل المناطق الساحلية، التي تشكّل بطبيعتها النطاق الحيوي للشاطئ. وأبرز توصياته، تكريس مبدأ الشريط الساحلي بعرض 100 متر حيث يمنع البناء (المادة 8). كما يطرح تدابير عدّة لحماية المناطق الساحلية، كالحدّ من التوسّع العمراني الأفقي على طول الشاطئ وتنظيم ممرّات تضمن الوصول الحرّ والمجّاني إليه. وهذه المبادئ كرّست في فرنسا مثلاً منذ العام 1986 حين اعتُمِد قانون حماية الشاطئ (la loi Littoral) الذي وضع إطاراً لتطوير الساحل الفرنسي بهدف حمايته من تجاوزات المضاربات العقارية والسماح للمواطنين بالوصول الحرّ عبر المسارات الساحلية (Sentier Littoral). وتكمن أهمية هذا القانون في أن أحكامه أدخلت في قانون التنظيم المدني وأصبحت مقيّدة، أي إن كل ترخيص لمشروع ما عليه التقيّد بشروط هذا القانون، وإذا خالف أحدها، يمكن رفضه حتى ولو كان مطابقاً للمخطط التفصيلي المحلّي للمنطقة.

أنقر الصورة للتكبير

إذاً، دخل لبنان اليوم مرحلة جديدة من التشريع لحماية الشاطئ، إذ لا يكفي توقيع المعاهدة لكي تصبح بنودها ملزمة في لبنان، بل على الدولة أن تُدخل توصياته في القانون اللبناني. لذلك، طرحت وزارة البيئة مشروع قانون الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية بالتعاون مع معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند، والذي يستعيد أحكام بروتوكول مدريد المتعلّقة بحماية الشاطئ والموارد والثروة البحرية، وأهمّها إنشاء حزام ساحلي بعرض مئة متر يمنع ضمنه البناء. كما يكرّس القانون حق المواطن بالوصول الحرّ إلى الشاطئ وبصورة مجّانيّة عبر تخصيص ممرّات للمشاة بصورة مُنتظمة وضمن مسافة محدّدة لا تتجاوز 3000 متر كحدّ أقصى، لكي تضمن حق المرور في شكلٍ سهل. ويُحدّد مشروع القانون تفاصيل إنشاء «المجلس الوطني للإدارة المتكاملة للمنطقة الساحلية»، الذي سيتولّى مهام هذه الإدارة، ومن أولويّاته وضع خطّة استراتيجية شاملة لإدارة المنطقة الساحلية، ومخطّطاً توجيهياً عاماً لها، وغيره من التدابير المتعلّقة بحماية البيئة، لتحقيق أهداف بروتوكول الـ ICZM، وهو يتمتّع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري. هذا المجلس يضمّ بين أعضائه الدائمين رؤساء ثلاثة تجمّعات، شرط أن يضم كل تجمّع 20 جمعية بيئية كحدّ أدنى، واحدة منها على الأقل تعنى بالأمور الساحلية والبحرية، وهذه المرة الأولى التي يُشرَك فيها المجتمع المدني بصناعة القرار في ما يخصّ الرؤية المستقبلية للشاطئ وللتطور المدني للساحل في شكل عام. كما سيعتمد المجلس المقترح مبدأ التشاركية، فبالإضافة إلى الأعضاء الدائمين (وزراء وممثلين عن البلديات المعنية ورئيس المجلس الأعلى للتنظيم المدني ومدير عام مجلس الإنماء والإعمار)، يشارك في بعض الجلسات أعضاء مدعوون (وفق الموضوع المتناول)، بينهم ممثل عن نقابة الصيّادين ونقابة المجمّعات السياحية البحرية واستشاريين في القضايا العلمية والقانونية والهندسية وغيرها.
47% من المراسيم الصادرة بإشغال الشاطئ تعود إلى شركات، و23% تعود إلى أفراد


وإذا كانت هذه الخطوة إيجابية ومرحباً بها، نتخوّف من تعطيل دور هذا المجلس عبر التدخلات السياسية التي قد تهدّد استقلاليته، لأنه على الرغم من اتباع التشاركية، يتألّف من عدد كبير من الوزراء ويترأسه رئيس مجلس الوزراء، وبذلك قد يصبح هذا المجلس صورة مصغّرة عن الحكومة، خصوصاً أن مشروع القانون لا يعطي أي توجيه برفض عضوية ما في حال تضارب المصالح. أيضاً هناك إمكانية تداخل الصلاحيات بين هذا المجلس والمجلس الأعلى للتنظيم المدني ولا تتناولها المسودّة المطروحة، فضلاً عن تداخل المخطط التوجيهي المستقبلي للمنطقة الساحلية مع المخططات التوجيهية المحلية المعتمدة ومع الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية. تكتفي مسودّة القانون بالتأكيد على أنه في حال التناقض بين المخطط التوجيهي للساحل والمخططات الأخرى، على الأول أن يطبّق. هذه القاعدة قد تؤدّي إلى الإخلال بالاستقرار القانوني، حيث يستمرّ العمل بمخططات توجيهية قديمة لا تطبّق إلا جزئياً. لذلك، كان من الأفضل أن يفرض مشروع القانون ضرورة امتثال كل المخطّطات له (obligation de mise en conformité) ضمن مهل محدّدة وقصيرة لتفادي أي تناقض، فيجبر الإدارات العامة على تعديل مخططاتها التوجيهية، وإلا يُمنع البناء ضمنها. حالياً، لدينا مشكلة عدم تطابق هذه المخطّطات مع توجيهات الخطة الشاملة لأن مرسوم تصديق الخطة لم يتّخذ هذا الإجراء، ولم يحدّد أي مهل، وعلى المشرّع ألا يعيد الخطأ في قانون الإدارة المتكاملة للمنطقة الساحلية لكي يكون حقاً فعّالاً.
أخيراً، ما زال مشروع القانون في مراحله الإعدادية، وقد طُرح مؤخراً على مجلس الوزراء لإبداء الملاحظات، لذلك نتمنى قبل إقراره أن يعاد النظر بالمسودّة المطروحة لتحسينه وإضافة تفاصيل مقيّدة ونافذة حكماً لا تحتاج إلى إصدار مراسيم تطبيقية. ليكون القانون فعالاً في حماية الشاطئ، ومكمّلاً لقانون البيئة الحالي، ويضع رؤية مستقبلية مستدامة للشاطئ اللبناني، فيحدّ من التوسّع العمراني العشوائي عليه لإبراز قيمته البيئية والطبيعية، واستعادة دوره كمجال اجتماعي حيوي يتمتّع به كل المواطنين.
*مهندسة معماريّة