ترجمة: لمياء الساحلي
أدّت تقنيات المعلومات الجديدة إلى ولادة مجموعة كاملة من الشركات التي تجني أرباحاً هائلة. والأكثر نجاحاً بين هذه الشركات مدرجة على لائحة الشركات العشر الأعلى قيمة في العالم. والقيمة هنا تعني القيمة النقدية لجميع الأسهم القائمة لهذه الشركات أو رسملتها بحسب تعبير الاقتصاديين. فالقيمة السوقية لشركات «ألفابت» (المعروفة بـ«غوغل» و«أمازون» و«مايكروسوفت» و«فايسبوك» و«علي بابا») تساوي 400 مليار دولار أو أكثر.

ولكنّ جميع هذه الشركات لا تنتج شيئاً ملموساً، بل «تصنع» معلومات. ورغم أن شركات المعلومات هذه تحقق نجاحاً كبيراً، إلّا أنها تثير مشاكل جديدة.
من أبرز خصائص شركات المعلومات أن الكلفة الهامشية (marginal cost) للمعلومات التي تنتجها تساوي صفراً. فمثلاً ثمة تكاليف ثابتة لإنتاج فيديو على «يوتيوب»، مثل الكاميرا والحاسوب والاتصال بالإنترنت، ولكن بمجرّد إنجاز الفيديو، يمكن نشره من دون تكاليف إضافية. كذلك إن عدد مشاهدي الفيديو، سواء كان عشرة أو عشرين أو مئة ألف، لا يغيّر شيئاً في تكاليف إنتاجه. إذاً، تبلغ الكلفة الهامشية، أي كلفة الوحدة الإضافية الواحدة التي يشاهدها مستخدم واحد، صفراً.
لا يتوقف الأمر هنا. فكلّما ازداد عدد مشاهدي صانع الفيديو، ازدادت قيمة فيديو «يوتيوب». فإذا بلغ عددهم مليون مشاهد مثلاً، سيثير ذلك اهتمام المعلنين ورغبتهم في الدفع لصانع الفيديو لنشر إعلانات لديه. كذلك يرفع ازدياد عدد المشاهدين المبلغ الذي يستعد المعلن لدفعه. بالنتيجة، ينتج صانع الفيديو شيئاً تبلغ قيمته الهامشية صفراً، ولكن العائد الهامشي (marginal revenue) الذي يحققه يرتفع بارتفاع عدد المشاهدين. وبالتالي يصبح صانع الفيديو أكثر ثراءً كلّما ارتفع عدد مشاهديه من دون أن يضطر إلى القيام بأي شيء خاص.

26 مليار دولار عائدات
«فايسبوك» من الإعلانات
في عام 2016

يترتّب عن هذا النموذج الاقتصادي عدد من المشاكل. تتمثل المشكلة الأولى في أن شركات المعلومات تحقق قيمة اقتصادية عالية من دون استخدام الكثير من عناصر الإنتاج، إذ إنها بالكاد تحتاج موظفين لتحقيق إيرادات عالية. فعلى سبيل المثال، توظّف شركة «فايسبوك»، التي تبلغ قيمتها السوقية 400 مليار دولار، نحو 21 ألف شخص، فيما توظّف «وول مارت» (سلسلة متاجر البيع بالتجزئة)، التي تبلغ قيمتها 220 مليار دولار، 2.1 مليون شخص. وبالتالي إن عدد موظفي «فايسبوك»، التي تبلغ قيمتها ضعف قيمة «وولمارت»، يساوي 1% من عدد موظفي هذه الأخيرة. يعني ذلك أن ثمة قيمةً اقتصاديةً مرتفعة جداً موزّعة على قلّة ضئيلة من الأشخاص، وهذا ما يسبب حالة من عدم المساواة ستتحوّل إلى قنبلة موقوتة.
ثمة مشكلة ثانية متمثلة في أن من ينضمّون إلى منصة معلومات ما («فايسبوك» على سبيل المثال) يهبون معلومات تتعلق بهم مجاناً. وتزداد قيمة هذه المعلومات بازدياد عدد الأشخاص المنضمّين إلى المنصة. وبالتالي تتيح البيانات الضخمة (big data)، المستمدّة من معلومات خاصة، وضع إعلانات تستهدف شريحة هائلة من المستخدمين. وهذا حلم كلّ المعلنين.
إذاً، تنتج شركات مثل «فايسبوك» معلومات تدرّ إيرادات عالية باستخدام «مواد خام»، هي عبارة عن معلومات خاصة تستحوذ عليها مجاناً من مستخدميها. وبالتالي فهذه الشركات هي عبارة عن آلات تدرّ الكثير من المال والثروة التي بالكاد تُشارَك، ويمكن أن تبقى في يد قلّة سعيدة داخل هذه الشركات.
ولكن لا يمكن السكوت عن هذا الوضع بعد الآن. فيوماً بعد يوم، يتشارك عدد أقل من الأشخاص المزيد من القيمة الاقتصادية. لذلك أطرح الاقتراح الآتي، في محاولة لمعالجة الأمر.
بلغت عائدات «فايسبوك» من الإعلانات، 26 مليار دولار، في عام 2016. ولم تكن الشركة لتحقق ذلك لولا «المواد الخام» من المعلومات التي يقدّمها مستخدمو موقع «فايسبوك». لذلك، يمكن الحكومة مثلاً أن تفرض ضريبة بنسبة 50% على الشركة، باعتبار أن نصف عائداتها يأتي من المعلومات المجانية، وهو ما يساوي 13 مليار دولار. وبما أن الموقع يجذب اليوم نحو 1.23 مليار مستخدم، فإن الضريبة تساوي تقريباً 10 دولارات على كل مستخدم في السنة. وهذا برأيي تقدير جيد للقيمة السنوية للمعلومات التي يقدّمها كل مستخدم فرد لـ«فايسبوك». وبالتالي إن اقتراحي هو أن تُفرَض ضريبة على «فايسبوك» بقيمة 10 دولارات على كل مستخدم. صحيح أن زوكربرغ سيكون أقلّ ثراءً بعد فرض هذه الضريبة، إلّا أن المال الذي سيبقى لديه لن يكون قليلاً أبداً.
ولكن لا شكّ في أن هذا الاقتراح يتضمن مسائل يجب التعامل معها. فمن المفضّل ـ ولكن ليس من الضروري ـ أن يكون تنسيق الجهد دولياً، وهو ليس بالأمر السهل. ثمة مسألة أخرى تتمثل بما ستفعله الحكومة بعائدات هذه الضريبة. من بين الاحتمالات، إعادة الدولارات العشرة إلى المستخدمين سنوياً، أو استخدام العائد للاستثمار في التعليم أو البيئة أو الطاقة المستدامة. ولكنّ هذه مسائل منفصلة يمكن حلّها ولا تحول دون فرض ضريبة على «فايسبوك» وشركات المعلومات الأخرى (مثل «غوغل» و«أمازون» وغيرها) التي تستخدم معلومات خاصة مجاناً وتحوّلها إلى مصدر لتحقيق ربح هائل لا تستفيد منه سوى قلّة قليلة فقط.

بترخيص من www.socialeurope.eu
* يشغل البروفيسور بول دي غراوفي منصب أستاذ كرسي جون بولسون في الاقتصاد السياسي الأوروبي في المعهد الأوروبي التابع لكلية لندن للاقتصاد. وكان قبل ذلك أستاذاً للاقتصاد الدولي في جامعة لوفين في بلجيكا. وسبق له أن كان عضواً في البرلمان البلجيكي بين عامي 1991 و2003.