بعد 15 يوماً على تعليق السجناء في رومية إضرابهم عن الطعام، استأنف نحو 200 منهم إضرابهم، أمس، على أن ينضم إليهم اليوم 200 سجين إضافي. قبل أن يعلقوا إضرابهم الشهر الماضي، وصلتهم تمنيات بالتعليق من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وعدد من النواب المتابعين لشؤون السجناء. قيل لهم يومها إن الدولة ستأخذ مطالبهم على محمل الجد، ولذلك عليهم أن يصبروا. وبالفعل، عاد النقاش «الجدي» إلى داخل لجنة الإدارة والعدل بشأن اقتراح العفو، الذي كان النائب نوار الساحلي قدّم مسودته، ووافق عليها «مبدئياً» جميع أعضاء اللجنة. لكن بحسب النائب غسان مخيبر، يحتاج موضوع العفو إلى وقت، ولا يمكن إقراره خلال مدّة وجيزة، نظراً إلى تشعباته البرلمانية والقانونية، أي لناحية الأطر التي يفترض أن يسلكها إدارياً. بيد أن السجناء، الذين وُعدوا كثيراً في ما مضى من دون إيفاء، لم يشعروا «بأن الأمور تسير بجدية»؛ فبحسب أحد السجناء المضربين في مبنى «ب»، فإن الدولة «عندما تجد صاحب الطلب قد سكت لا تعود متحمسة لمتابعة طلبه. لذلك، للأسف، يبدو أن المسؤولين لا يتحركون إلا تحت الضغط، وهذا ما نمارسه حالياً». أما لناحية المطالب، فظلت هي نفسها قبل تعليق الإضراب، وهي «إقرار قانون للعفو، وخفض السنة السجنية إلى 9 أشهر، على أن تحسب لكافة السجناء مهما كانت الجرائم المقترفة، مع تأكيد التسريع في المحاكمات... وغير ذلك من المطالب التي تتعلق بالشؤون الحياتية والاجتماعية والصحية للسجناء».
وفي سياق الحديث عن العودة إلى الإضراب، تناقلت بعض وسائل الإعلام، أول من أمس، خبراً مفاده أن أحد السجناء في مبنى «د» رمى قنبلة يدوية دخانية في باحة الصيانة، فظن البعض أن انتفاضة حقيقية قد اندلعت في رومية، وراح السجناء ينهالون بالاتصالات على وسائل الإعلام بشأن هذا الأمر. لكن بعد الاتصال بآمر سرية السجون، العقيد عامر زيلع، أوضح أن المسألة «جرى تضخيمها، إذ إن ما رماه أحد السجناء هو بقايا قنبلة دخانية، كان قد احتفظ بها من الانتفاضة الأخيرة التي شهدها السجن، وبالتالي لا صحة لكل ما قيل». ورغم أن الأمور ظلت مضبوطة، في ظل حماسة السجناء الذين راحوا يسمعون أخبارهم في وسائل الإعلام، استُقدمت قوة إضافية من «الفهود» والتدخل السريع لإبقاء السيطرة على كل التحركات، منعاً لتحولها إلى إيذاء للسجناء في المبنيين «ب» و«د».
وفي السياق، أوضح مسؤول أمني لـ«الأخبار» أن من الأسباب الإضافية لعودة السجناء إلى الإضراب، رفضهم أن يكون المدعو خضر ضاهر متكلماً باسمهم؛ إذ إنه شخص خارج السجن، لكنه في الآونة الأخيرة راح يحرض أهالي السجناء على الاعتصامات بنحو متكرر، ويزعم أنه رئيس لجنة أهالي السجناء، علماً بأنه لم يأخذ توكيلاً بذلك من أحد منهم، واليوم هم ممتعضون منه، ويطالبون بأن يعود سفير حقوق الإنسان علي عقيل خليل لمتابعة شؤونهم، بيد أن الأخير ممنوع من ذلك بسبب ملاحقته قضائياً، على خلفية دوره في الانتفاضة التي حصلت سابقاً في السجن وما تبعها من نشر للصور في وسائل الإعلام».
يُذكر أن السجناء الإسلاميين لم يعلنوا عودتهم إلى الإضراب بعد، علماً بأنهم كانوا قد باشروا بالخطوة سابقاً إلى جانب باقي السجناء، لكن «يبدو أن لديهم اليوم حسابات خاصة، إذ ربما تلقوا وعوداً من شخصيات نافذة في الدولة بحل مشاكلهم»، على حد قول أحد السجناء المجاورين.
من جهته، يوضح النائب غسان مخيبر، الذي يزور سجن رومية كل يوم خميس، أن ما حكي عن عودة إلى الإضراب عن الطعام «غير دقيق؛ إذ إن عدداً من السجناء فقط هم الذين عادوا، ولسبب يتعلق بالجهة التي يريدون أن تكون ممثلة لهم، وهنا يبدو أن ثمة شيئاً غير مفوم يحصل خلف الكواليس». ويضيف مخيبر في حديث لـ«الأخبار» أن السجناء بهذا السلوك «يضيّعون مطالبهم المحقة، من خلال التلهي بتفاصيل بسيطة، وهذا ما قلته لهم. فمن جهتنا نحن ما زلنا نعمل على الإعداد لقانون عفو، بالتنسيق مع مختلف القوى السياسية، في لجنة الإدارة والعدل النيابية، ولكني في المقابل لن أطلق وعوداً نهائية في هذا الموضوع قبل أن يكون بين أيدينا شيء ملموس». ويلفت مخيبر إلى أن بعض الناشطين في المجتمع الأهلي سألوه عن صوابية العفو، وخاصة بعد «الصدمة» التي تلقاها الرأي العام من خلال مقتل الفتاة ميريام الأشقر، متخوفين من إطلاق «بعض المجرمين في المجتمع». لكن مخيبر أكّد أن أي قانون عفو مرتقب لن يكون شاملاً لجميع السجناء؛ إذ سيكون مدروساً بإحكام للمواءمة بين الحفاظ على الأمن الاجتماعي من جهة، والرحمة والرأفة بحال بعض السجناء من جهة أخرى.