من هو سيمون بوليفار؟ يكاد يتحوّل السؤال إلى «حزورة» يصعب فكّ لغزها في محيط «جادة المقاومة والتحرير» في الجناح، حيث أزيح الستار قبل أسبوعين عن نصبه التذكاري. فهنا، أي اسم قد يبدو مألوفاً، ولو من خارج نطاق تلك البلاد، إلا اسم هذا الرجل المتوفى منذ 200 عام. رجل شبيه بالشبح، لا مكان محجوزاً له في الذاكرة القريبة، ولا البعيدة. كأنه لم «يوجد» قط. أما من يعرفون عنه، فهم قلة قليلة «يجاورون» النصب، أو أنهم حضروا حفل الافتتاح الذي نظمته بلدية الغبيري بالتعاون مع سفارة فنزويلا وتجمع رجال الأعمال الفنزويلي، أو في أحسن الأحوال مروا بجانبه وقرأوا التعريف المرفق عنه. تعريف يختصر حياة الرجل التي ناهزت حدود المئة عام بثلاث معلومات: تاريخا الولادة والوفاة وعبارة «محرّر كولومبيا وفنزويلا وإكوادور والبيرو وبوليفيا». ومن يعرف عنه بعض الإضافات، فهو كما الشاب علي همدر «رجل وطني، هيك بيقولوا، يعني بدك تقولي إكسترا مقاومة» أو في أحسن الحالات «قائد ثوري إجا قبل تشافيز»، كما يقول رجل الأمن محمود الحسيني. باستثناء هؤلاء القليلين، لا يعود الاسم مألوفاً، وتصبح الإجابة عن سؤال «من هو سيمون بوليفار؟» عصيّة على أي «مخ»، وفي غالب الأحيان لا ينتج من السؤال إلا سؤال، كما هي حال سوسن الموسوي. فهذه الشابة، التي تقضي جلّ وقتها في مكان عملها الملاصق للساحة، ظنّت أن الرأس النحاسي «المزروع» في الساحة «هو لتشافيز»، مشيرة بإصبعها إلى اللافتة المعلقة على مقربة من النصب لتؤكد «شوفي، موجهين التحية لتشافيز». وعند توضيح أن هذا ليس تشافيز، بل سيمون بوليفار، تسأل: «شو شغلتو هيدا؟». سؤالها عن «شغلته» يكاد يكون نسخة «طبق الأصل» عن سؤال فاطمة مزنر، فهذه أيضاً تسأل عن «شو بيعمل هيدا بالحياة؟»، أو كأن يسألك محمود علاء الدين: «شو بدو يعرّفني بواحد خلقان قبلي بـ300 سنة؟». «هيدا» الرجل الذي حرر قبل مئتي عام أميركا اللاتينية من الاستعمار الإسباني لم يحظ هنا بشيءٍ من الشهرة التي يحظى بها «تشافيز» في ذلك الحي البيروتي. كل تلك الأجوبة «محمولة»، إلا أن يبادرك أحدهم بالقول: «أي بولفار؟ ووين؟ بعرف بولفار كميل شمعون... بس ولا مرة سمعت ببولفار سيمون»!
«مع الوقت يتعرفون إليه»، يقول رئيس بلدية الغبيري محمد سعيد الخنسا. ينتقل الخنسا من هذا التعليق للأسباب التي دفعت البلدية إلى وضع نصبٍ لبوليفار على «بوابة الضاحية». يقول إن السبب الأول «هو تلبية طلب سفارة فنزويلا في لبنان». ثمة سببان آخران، هما أكثر أهمية في نظر الخنسا: الأول هو «تعريف أبناء المنطقة بمقاومين ساهموا يوماً في تحرير بلادهم من المحتلين، ولأن الضاحية منطقة مقاومة لا بد من شخصية مقاومة أيضاً نلتقي معها على فكر التحرّر». أما الثاني فهو «استراتيجي؛ فنحن نسعى إلى إبراز أسماء أشخاص ساهموا بمحطات تحريرية، بدلاً من التذكير بأسماء أو حتى تسمية شوارعنا بأسماء محتلين، كما يحصل في بعض المناطق».