رفع رئيس المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، القاضي أنطونيو كاسيزي، تقريره السنوي الثاني عن عمل المحكمة خلال الفترة الممتدة من 1 آذار 2010 إلى 28 شباط 2011، الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ورئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري في 1 آذار الفائت.
هو التقرير ما قبل الأخير، إذ إن ولاية المحكمة بحسب الاتفاق المرفق بقرار مجلس الأمن الرقم 1757/2007 تمتدّ لثلاث سنوات، أي أنها تنتهي في 28 شباط 2012، إذا لم يصدر قرار بتمديدها قبل ذلك التاريخ (انظر الكادر).
تضمّن التقرير، الذي يتألف من خمسة أجزاء ـــــ مقدمة وخاتمة، وبينهما ثلاثة أبواب لعمل كلّ من مكتب الادّعاء العام ومكتب الدفاع ودوائر القضاة ـــــ معلومات لافتة يمكن فرز أبرزها بحسب العناوين الآتية:
1ــ تبريرات غير مقنعة للتأخير
2ــ استثمار القضاة اللبنانيين
3ــ تدخل الدول وعدم تعاونها
4ــ تدنّي حجم الموارد
5ــ إخفاقات المحكمة
6ــ مواجهة الانتقادات والعقبات
7ــ قضية جميل السيّد
8ــ مفهوم عدالة خاصة بالمحكمة الخاصة
قبل الشروع في قراءة أبرز ما ورد في تقرير كاسيزي وفقاً لهذه العناوين (نعرض في هذه الحلقة الأولى العنوانين الأولين)، لا بد من التوقف عند أمر يدلّ على تجاوز المبادئ البديهية للعدالة الجنائية في الشكل. فرئيس المحكمة وجّه تقريره الى بان كي مون وإلى سعد نجل الرئيس الضحية رفيق الحريري، متنازلاً بذلك عن مبدأ كانت المحكمة الدولية قد أعربت عن تمسّكها به، وهو الحفاظ على الحياد من خلال تجنّب أي تواصل مع أشخاص مرتبطين بقضايا تدخل ضمن اختصاص المحكمة.
وفي 29 كانون الثاني 2010، صدر عن المحكمة الدولية بيان رسمي بشأن زيارة كاسيزي لبيروت جاء فيه: «بغية الحفاظ على حياد المحكمة، اتّفق على أن لا يجتمع الرئيس (كاسيزي) ونائبه (القاضي رالف رياشي) بالرئيس سعد الحريري وبالوزير الياس المرّ خلال هذه الزيارة بسبب ارتباطهما شخصياً بقضايا تدخل ضمن اختصاص المحكمة». (يمكن مراجعة الموقع الرسمي للمحكمة http://www.stl-tsl.org/sid/163).
أما القاضي رياشي، فقد تولى خلال العام الفائت مهمة إشراك «المتضررين»، ومنهم الحريري والمرّ، في الإجراءات القضائية. إذ ورد في تقرير كاسيزي أن «نائب الرئيس (رياشي) استمر في الإشراف على تأسيس وحدة مشاركة المتضررين في الإجراءات» (صفحة 12).

الرئيس لا يتحمّل المسؤولية

نعرض في الآتي، وفي ثلاث حلقات لاحقة، تفاصيل المحاور المذكورة آنفاً، مع الإشارة الى أنه خلافاً لتقريره الأول، شدّد الرئيس كاسيزي في مطلع هذا التقرير على أن «رئيس كل جهاز تولى إعداد القسم المتعلق بالجهاز الذي يرأسه، ويتحمل كلّ منهم المسؤولية عن مضمون القسم الذي تولى إعداده. واقتصرت مهمتي في هذا التقرير على تنسيق الأقسام الأربعة ومراجعتها، مع إضافة المقدمة والخاتمة اللتين تمثلان آرائي الخاصة ولا تمثلان بالضرورة آراء الأجهزة الأخرى» (صفحة 4).

تبريرات التأخير

«إن النظر في قرار الاتهام قد يستغرق وقتاً أطول من الوقت الذي كنا نأمل أن يستغرقه في البداية، غير أن قاضي الإجراءات التمهيدية يعمل هو وفريقه بأسرع طريقة ممكنة» (صفحة 36). وكان مسؤولون في المحكمة قد أفادوا بأن القاضي دانيال فرانسين يحتاج الى نحو شهرين لمراجعة مضمون القرار الاتهامي، قبل اتخاذ قرار بردّه أو تصديقه وطلب تعديل مضمونه. ويفترض ألا تطول المدة عن هذا الحدّ، إذ إن فرانسين اطّلع على الأدلة قبل تسلّمه القرار في 17 كانون الثاني 2011، فالتقرير يذكر الآتي: «عُقد عدد من الاجتماعات مع قاضي الإجراءات التمهيدية لإطلاعه على الأدلة قبل إيداع قرار الاتهام» (صفحة 26)، لكن لا بد من التذكير بأن دانيال بلمار تأخر أكثر من أي مدعي عام في أي من المحاكم الدولية الأخرى في إصدار القرار الاتهامي.
حسم كاسيزي بالتالي أن المحكمة «لم تتمكن من الاضطلاع بمهمتها الأساسية»، وقال مذكّراً: «أملتُ وتوقعتُ في تقريري السنوي الأول أن تبدأ على الأقل الإجراءات التمهيدية ضد الأشخاص الذي يُدّعى بأنهم مسؤولون عن الجرائم المدرجة ضمن اختصاص المحكمة، وذلك بعد تقديم المدعي العام قرار اتهام واحد أو اكثر» (صفحة 7). فهل قصد التعبير عن خيبته؟ لكن اللافت في تقريره إغفال الإشارة الى طلب بلمار من فرانسين تفعيل المادة 74 من قواعد الإجراءات والإثبات التي تتيح، في ظروف استثنائية، عدم الإعلان عن مضمون القرار الاتهامي حتى بعد تصديقه، إلا لجهات يختارها بلمار (من دون مراجعة فرانسين).

استثمار القضاة اللبنانيّين

ورد في التقرير أمر بدا مخالفاً لمرسوم نقل القضاة اللبنانيين الى المحكمة الدولية بصورة مؤقتة، إذ أشار كاسيزي في الصفحة 13 الى مشاركة قضاة المحكمة «في أنشطة ذات صلة بعملنا، وسبق أن وافقتُ عليها». وأضاف إن «البدل المدفوع في مقابل هذه الأنشطة يعود الى المحكمة، وبالتالي تمكّنّا من جمع مبلغ مالي لا بأس به».
إن مرسوم نقل القضاة اللبنانيين الى لاهاي بصورة مؤقتة لا يتيح تشغيل أو استثمار هؤلاء القضاة في أنشطة «ذات صلة»، بل إن مهماتهم تقتصر على المحاكمات في إطار نظام المحكمة الأساسي المرفق بالقرار 1757/2007.
أما بشأن تفسير القوانين اللبنانية، فلم يرد في تقرير كاسيزي استعانة غرفة الاستئناف بشرح المجلس التشريعي اللبناني أو المجلس الدستوري أو هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، أو كليتي الحقوق في الجامعة اللبنانية والجامعة اليسوعية، بل فضّلت المحكمة الخاصة بلبنان الاستعانة بجامعات غربية (جامعة غوتنغن الألمانية والجامعة الأميركية في واشنطن).
وبخصوص عمل ضابط الاستخبارات البريطاني، رئيس دائرة التحقيق في مكتب المدعي العام الدولي مايكل تايلور، كشف كاسيزي عن توجيه 750 طلباً للمساعدة الى النائب العام التمييزي في لبنان (القاضي سعيد ميرزا).
(حلقة ثانية غداً: تدخّل الدول بدل تعاونها)



تحضيراً للتمديد حتى ما بعد 2015

ورد في تقرير الرئيس أنطونيو كاسيزي السنوي الثاني «إنجاز المهمة الأساسية للمحكمة في غضون مدة إجمالية، قدرها ست سنوات». لكن «إذا رأى المدعي العام أنه يحتاج الى المزيد من الوقت لإجراء تحقيقات إضافية تفضي الى تقديم قرارات اتهام أخرى، فعليه أن يبيّن هذا الأمر وأن يُطلِع الهيئات والجهات المعنيّة (الأمين العام للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والحكومة اللبنانية) عن طريق رئيس المحكمة على أسباب هذه الحاجة وما تقتضيه بالتالي من تمديد لعمل المحكمة الى ما بعد فترتَي الولاية، التي تبلغ مدة كل فترة منهما ثلاث سنوات» (صفحة 38). يذكر أن المادة 20 من الاتفاق المرفق بالقرار 1757/2007 الذي أنشئت المحكمة على أساسه تنصّ على الآتي: «يظل هذا الاتفاق ساري المفعول لمدة ثلاث سنوات، اعتباراً من تاريخ مباشرة المحكمة الخاصة عملها». وتضيف إنه «بعد مضيّ ثلاث سنوات على بدء عمل المحكمة، يعمد الطرفان، بالتشاور مع مجلس الأمن، الى عرض ما تحرزه من تقدّم في أعمالها. وإذا لم تكتمل أنشطة المحكمة في نهاية فترة ثلاث سنوات، يُمدّد الاتفاق للسماح للمحكمة بإنجاز عملها».