«كنت أعرف تاجر آثار في دمشق يبيع قطعاً بمجملها مزورة، لكنه عرض علي أن يعثر لي على قطعة أصلية بحق، حتى إنه اقترح أن يأخذني إلى الموقع. وذهبنا في الليل إلى مقبرة محفورة في الصخر في منطقة تدمر، وقال لي: «الآن يجب أن نزحف». كنت خائفاً، فالدنيا ليل وهناك زواحف كثيرة. لكن إنديانا جونز النائم في داخلي أعطاني القدرة ودخلنا. وبعد المدخل الضيق اتسع النفق، وكان هناك عدة قبور مزينة بجدرانيات رائعة الجمال. فانتقيت ما أردته (وهو الحجر الذي يوضع على باب المقبرة لصدها وهو مزخرف)، وها هو معروض اليوم هنا في منزلي. بالطبع لم أعمل على تقطيع الآثار بيدي؛ لأن هذا كان عمل التاجر الذي أوصل البضاعة إلى ألمانيا، وحينما سألته الجمارك عما يحمل بحوزته، أجاب: «صخرة»، فأدخل التمثال. كانت الأيام مختلفة والرقابة على المطارات مختلفة». هذه المغامرة حصلت قبل ثلاثين سنة مع هلموت توما، وهو من أكثر الشخصيات الإعلامية المهمة في ألمانيا. فهو يترأس مجالس إدارات أكثر من خمس مؤسسات إعلامية ألمانية ونمساوية. وكان توما قد أدلى بهذه المعلومات خلال مقابلة أجراها مع صحيفة Welt am Sonntag الألمانية، أخبر خلالها عن مختلف مراحل حياته، ونشرت الصحيفة الخبر على صفحاتها الأولى. دفعت هذه التصريحات بعلماء الآثار الألمان والنمساويون وكل محاربي الاتجار بالآثار إلى الواجهة. حاولوا الضغط على حكوماتهم لمعاقبة توما على تصريحاته ولم يفلحوا. حاولوا الضغط على المكتب الإقليمي لمنظمة اليونسكو لإصدار بيان رسمي يدين التصريحات ويطالب بإعادة القطعة إلى سوريا؛ لأن تدمر موقع أثري مصنف على لائحة التراث العالمي، فكان الجواب غير الرسمي (طبعاً) بأنه حين جرت السرقة لم يكن الموقع مدرجاً بعد على اللائحة، ما يعني أن حمايته ليست من واجبات اليونسكو. حاول علماء الآثار تحفيز زملائهم في الميدان، وخاصة رؤساء البعثات الأثرية في سوريا، فكان هناك تخوف من التعامل مع القضاء ومن ردة الفعل السورية على الموضوع. وبقيت السفارة السورية التي لم تقدم أي تصريحات، ولم تطالب حتى باسترجاع القطعة، بل تركت الموضوع يموت ببطء في الإعلام وعلى شبكات الإنترنت.
يقر علماء الآثار بأن محاربة عملاق إعلامي مثل هلموت توما ليس بالأمر السهل، ويعترفون بأن «تصريحاته هي الأولى من نوعها في ألمانيا. وهذا لا يعني أنها فريدة من نوعها، ولا يعني أبداً أن باقي هواة جمع المقتنيات الأثرية لم يقوموا بتجارب مماثلة أو ليس لهم تجارهم ومهربوهم. لكن توما اعترف بها، مدركاً تماماً أنه ستصعب محاكمته على هذه الأعمال. وبالفعل، بعد نحو شهرين، لا تزال الأمور عالقة في مكانها، فالمدافعون عن القضية في كل من ألمانيا والنمسا لم يتجاوز عددهم 100 شخص في مجموعة على الفايسبوك. هذه الحادثة تثبت أن «النضال» ضد الاتجار بالآثار في ألمانيا (وهي مشروعة قانوناً) ليس بالأمر السهل أو الذي قد يلاقي ترحيباً من الشعب.