ليس ثمّة ما هو أسهل من إنشاء صفحة خاصة على «الفايسبوك» باسم وهميّ. وهناك، في ذاك الموقع الإلكتروني الأول في العالم لناحية عدد المشتركين، أشخاص حاضرون دائماً لتنطلي عليهم الحيل، بسهولة أيضاً. وبما أن روّاد موقع التعارف الاجتماعي المذكور، وسواه من مواقع التعارف على الإنترنت، هم من الناس بكل ما يحمل الناس من صفات نفسية، كان من الطبيعي أن ينقل بعض هؤلاء آفاتهم السيئة إلى الشبكة العنكبوتية، التي يُعدّ الغش والاحتيال والسرقة من أبرزها، وتتطور أحياناً إلى أبعد من ذلك، اغتصاب وقتل وجرائم أخرى.أحمد ق. شاب لبناني كان يقضي وقتاً لا بأس فيه على الإنترنت، خصوصاً على «الفايسبوك». لم تكن التسلية هدفه، ولا حتى التعارف «للتعارف». كان لديه ما يشبه «استراتيجية جرمية»... تتلخص في البحث ملياً عن فريسة سهلة ليصطادها، مستخدماً اسماً وهمياً يوحي أنه من طائفة غير طائفته. «الاصطياد» مصطلح شائع بين عدد من الشبّان الذين يترصّدون الفتيات المرهفات الحس على الإنترنت، وخصوصاً اللواتي يقمن خارج لبنان، بغية إيقاعهن في الغرام وإقامة علاقات معهن، ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية، أي اللقاء المباشر، بغية الاستفادة المادية منهن من خلال الحصول على المال بتأثير عاطفي، وأحياناً من خلال سلبهن المال بطرق احتيالية أو سرقتهن مباشرة.
ذات مرة، ألقى أحمد (28 عاماً) شباكه نحو كارولين (اسم مستعار) المقيمة في الولايات المتحدة. ادّعى زوراً أثناء تواصله الإلكتروني معها أنه من أقرباء قائد الجيش اللبناني، وصاحب مكتب سفريات في منطقة الحمرا، وأنه يملك عقارات وأموالاً طائلة في البنوك. بعد أشهر من التواصل، قررت كارولين المجيء إلى لبنان برفقة والدتها لمقابلته، فكان اللقاء الأول في مجمع "ABC" فرع الأشرفية. تتالت اللقاءات لتصبح يومية، حيث كان يصطحبها إلى المقاهي والمطاعم ويبادر هو إلى تسديد الحساب في كل مرّة. أخذ يجلب لها ولوالدتها الهدايا ويزورهما في المنزل باستمرار، من دون أن يسهو عن ضرورة التعبير لها عن عميق حبه. بعد أكثر من شهر على لقائهما الأول، أخبرها كذباً أن والدته قد توفيت. عاش أمامها حالة من الحزن المصطنع، ولمّا رأى أن الأمر أثّر في مشاعرها، أعلمها بأن مكتب السفريات الذي يملكه سوف يُقفل، وحجته أن جميع الممتلكات والأموال مسجّلة باسم والدته المتوفاة، وقد وُضعت اليد على كل ما لديه لحين تصفية التركة.
علمت والدة كارولين بالأمر، فتعاطفت بدورها معه، عندها طلب منها مساعدته بمبلغ 10 آلاف دولار أميركي، واعداً بإعادة المبلغ خلال أسبوع، فكان له ما طلب. أيام قليلة وتفقد كارولين سلسلة ذهبية كانت تحتفظ بها في منزلها، علماً بأنها أخبرت أحمد سابقاً أن لديها كمية من الذهب. خلال أيام، كانت الفتاة قد فقدت كل الذهب الموضوع داخل درجها، فأخبرته مرتابة ومستفسرة عن الأمر، فجنّ جنونه متظاهراً بالانفعال، قائلاً لها إنه يريد زيادة ذهبها لا إنقاصه. استطاع إقناعها وأبعد الشكوك عنه. ظل يتردد بائع الحب إلى منزل كارولين وعينه على ذهب والدتها هذه المرة، إلى أن فقدت الوالدة كل الذهب الذي تملكه من المنزل، والذي تقدّر قيمته بنحو 100 ألف دولار. أرادت التوجه إلى الشرطة للادّعاء على مجهول، لكنه طلب منها عدم فعل ذلك، مدّعياً أن شقيقه هو رئيس قسم التحقيق في استخبارات الجيش، وأنه سيتابع القضية مع الاستخبارات لإيجاد السارق. إثر ذلك بدأ يتردد إلى منزل الفتاة وأمها بسيارة فارهة، في محاولة منه للظهور بمظهر الأثرياء، وقد أحضر لهما خاتماً من الذهب الذي فقدوه، فأقنعهما بأن شقيقه بدأ بتوقيف السارقين، وأن الخاتم هذا قد ضبط في أحد محال بيع المجوهرات. وليزيد من اقتناع الفتاة بأنه شخص مهم وذو مكانة أمنية مرموقة، أخذ يتصل بالفتاة ووالدتها هاتفياً من غير هاتفه، ويدّعي متلاعباً بصوته أنه مقدّم في الجيش اللبناني وأن التحقيق جار في قضية السرقة. أكثر من ذلك، جعل كارولين تشاهد ذات ليلة في صندوق السيارة بندقية حربية وقنابل يدوية. غير أن فيلم «صياد الفايسبوك» لم يدم طويلاً، حيث ادّعت والدة كارولين عليه أخيراً أمام القوى الأمنية بتهمة السرقة، فأوقف وأحيل إلى التحقيق، هناك نفى بعض ما أسند إليه واعترف ببعضه. وها هو اليوم يقبع خلف قضبان السجن بعدما أدانته محكمة الجنايات في بيروت وحكمت عليه بالسجن مدّة سنة و 6 أشهر، وألزمته دفع مبلغ 20 مليون ليرة بدل عطل وضرر. أما في ما خص قيمة المسروقات، فقد ألزم المتهم دفع مبلغ 16 ألف دولار أميركي فقط للجهة المدّعية، وذلك لعدم وجود ما يعزز أقوال هذه الجهة لناحية قيمة المسروقات التي فاقت الـ100 ألف دولار.



سرقات «سادية» و«مازوشية»


«الاصطياد الجرمي» بقصد السرقة على الإنترنت ليس محصوراً بالرجال، فقد سُجلت أكثر من حالة كان «أبطالها» من النساء. وفي هذا الإطار، أوقفت القوى الأمنية في الآونة الأخيرة فتاتين كانتا تنشطان على «الفايسبوك» لإغراء بعض الرجال الذين يرغبون بممارسة الجنس، وخصوصاً الذين لديهم ميول «سادية» و«مازوشية» (الحصول على اللذة الجنسية من خلال تعذيب الشريك أو الخضوع للتعذيب). بعد إغراء الرجل بكلمات معينة، كانتا تضربان موعداً معه للقائه على أرض الواقع، وعند اللقاء في أحد المطاعم أو الملاهي تبادران إلى أخذ المال منه بطرق احتيالية، فضلاً عن الهدايا، لكنهما لا تفعلان له ما جاء لأجله، تخذلانه وتفرّان إلى «صيد» آخر. أوقفت الفتاتان أخيراً داخل أحد المطاعم في بيروت، وأحيلتا إلى القضاء المختص.



لقطة

وقع الشاب ربيع ح. ذات مرّة ضحية فتاة «فايسبوكية». كانت تضع صورة خلاعية من دون وجه ظاهر. طلب الشاب لقاءها، فوافقت وأغرته بإمكانية ممارسة الجنس معها، شرط أن يرسل لها رقم بطاقة مدفوعة الثمن لتعبئة هاتفها الخلوي. فعل ذلك طمعاً بما ينتظره من «لذّة»... غير أن الفتاة تبخرت بعد حصولها على ما أرادت، فأرسل الرسائل إليها مراراً، إلى أن خاب أمله أخيراً عندما أرسلت إليه رسالة عبر الإنترنت تقول فيها: «أكلت الضرب... أنا شاب مثلي مثلك يا غشيم». في هذا الإطار، لفت مسؤول أمني «الأخبار» إلى أن القوانين الحالية ليس فيها نصوص تتعلق بجرائم الغش والسرقة على الإنترنت، لكن بإمكان القضاة أن يجتهدوا فيها كما يفعلون في قضايا انتحال الصفة والتشهير والقدح والذم.