قد يصاب من يتابع أخبار الغذاء وأسعاره بإحباط مزمن. أما من يتابع أخبار السياسة الإقليمية، وخصوصاً الصراع الدائر على سوريا، فقد ينتابه اكتئاب مقاوم لجميع حبوب الأعصاب. ومن يتابع الاثنين معاً، فمصيبته كبيرة، وربما قاتلة. بالنسبة إلى الغذاء، تشير آخر المؤشرات إلى ارتفاع صاروخي في أسعار الحبوب العالمية. يصيب هذا الارتفاع بوجه خاص الذرة والصويا، وهي المكونات الأساسية للأعلاف الحيوانية التي ازداد سعرها بنسبة 50%. أصابت العدوى أسعار القمح أيضاً، وهي التي بدأت رحلتها التصاعدية. أسباب الغلاء دائماً نفسها: جفاف يصيب إحدى المناطق المنتجة (الولايات المتحدة هذا العام) أو تغير جذري في العادات الغذائية، الأمر الذي يؤدي إلى تزايد الطلب على المنتجات الحيوانية أو استعمال كميات كبيرة من محصول الذرة في إنتاج الوقود الحيوي أو المضاربات المالية التي تقوم بها شركات الاستثمار لكسب الأرباح على حساب فقراء العالم. بلادنا العربية تستورد أكثر احتياجاتها الغذائية، وللأسف لم يثمر الربيع العربي شيئاً يؤكل. فسوريا التي كانت تنتج فائضاً من القمح، أصبحت الآن بحاجة إلى الإغاثة. إلا أنه يصعب على المنظمات الإنسانية شراء الحبوب لتوزيعها لغلاء الأسعار. حتى تركيا التي اكتشفت فجأة حبها للشعب السوري، لن تستطيع مدّ يد العون؛ لأن إنتاجها للقمح انخفض 11%. أما في تونس، فهناك أنباء متضاربة عن حالها، إلا أن العديد من الذين نهضوا بالثورة وجدوا أنفسهم من بين الجياع هذا العام، في الوقت الذي يوزع فيه حزب النهضة المعونة على جمهوره، حسب ما يرد في الصحف. إيران المقاطعة تستورد القمح من الولايات المتحدة وسويسرا وألمانيا؛ فالقمح كما المال، لا رائحة له. لبنان يتخبّط في هذا الإعصار بنحو يتحدى، كالعادة، مبادئ المنطق؛ فالأزمة السورية أدت إلى إغلاق الحدود أمام التصدير وإلى كساد المحصول. لكن على ما يبدو، لم تصل هذه الأنباء إلى التجار؛ لأن أسعار الخضار و الفاكهة لا تزال تتصاعد... «مين قدّنا»؟