في سهل بلدة إيعات الخصيب، يزرع أيضاً الكمون الأسود، أو ما يعرف لدى البقاعيين بـ«حبة البركة». فإلى جانب شتول الكمون، تمتلئ حقول أخرى بتلك الحبة السوداء، التي لا يمكن من لا يملك المعرفة بكلا النوعين أن يميّز بينهما. فالشتول متشابهة إلى حد كبير، من حيث الشكل وارتفاعها عن الأرض، أو حتى طريقة زراعتها وطبيعتها العطرية. إلا أن العارف بزراعة «الكمونين»، يمكن أن يميز تلك الزهرة البيضاء الكبيرة التي تحمل في داخلها مجموعة من الحبات السوداء الهرمية الشكل والمذاق الخاص، عن نبتة الكمون التي تتفتح زهيراتها الصغيرة بلون أصفر يتحول لاحقاً إلى زهري، وفي كل منها حبة كمون واحدة.
وهنا، يشير المهندس الزراعي حمد جعفر إلى أن «الكمون وحبة البركة السوداء ينحدران من الفصيلة العشبية الحولية نفسها، لكنّ هناك اختلافاً لجهة الري، إذ تحتاج حقول حبة البركة إلى الري أكثر من مرة حتى تعطي إنتاجية جيدة». أما عن حصاد حبة البركة، فهي أكثر دقة من اليانسون والكمون، «إذ ينبغي التعامل مع حبات البركة الصغيرة بطريقة أكثر دقة، فيعمد العمال في أيار من كل عام ـــ عند نضج الثمار السوداء وجفاف أوراقها القاعدية ـــ إلى قرط النباتات في الصباح الباكر قبل حرارة الشمس وفوق سطح التربة، ثم تحزم وتترك لتجف في الشمس وهي قائمة في مجموعات مع بعضها». وبعد جفافها، تنقل إلى منطقة التجميع لفصل البذرة ميكانيكياً بواسطة الدرّاسات العادية المستخدمة مع الحبوب كالحمص والعدس والكمون، مع تقليل كمية الهواء «حتى لا تتطاير حبة الكمون السوداء مع التبن الناتج منها، لتغربل بعد ذلك وتحفظ في أكياس». فوائد حبة البركة لا يمكن إحصاؤها ومقاومتها، فمؤونة ربات المنازل البقاعيات لا تكاد تخلو من حبة البركة التي تستعمل في تتبيل الفطائر لتكسبها الطعم الشهي، مع خاصية استعمالها كمواد حافظة طبيعية. و«مشاطيح» شهر رمضان لا ينبغي أن تفتقر إلى حبة البركة السوداء، وكذلك مؤونة حبات اللبنة البلدية والكشك الأخضر، التي تلف بحبة البركة لتضفي طعماً وشكلاً على تلك المؤونة، فضلاً عن حفظها من العفن. ومن جهة ثانية تُستعمَل الحبّة علاجاً للكثير من الأوجاع والآلام، ومنها علاج نوبات الربو والمشاكل التنفسية. كذلك فإنها طاردة للبلغم ومخفضة لنسبة السكري ومقاومة لشدة البرد في الشتاء القارس، وتزيد كفاءة جهاز المناعة في مقاومة الأمراض الفيروسية. وتساعد بذور الحبة السوداء الجهاز الهضمي على التخلص من آلام المعدة وتشنجاتها وانتفاخ البطن والمغص، وهي منشطة ومدرة للبول وتساعد في زيادة إدرار اللبن للمرأة المرضع، إلى جانب أنها مفيدة في أمراض البروستاتا والقولون ومنشطة للأعصاب ومقوّية جنسياً.