لا تبدو المعركة البلدية في تكريت واضحة الأفق والاصطفافات، تماماً كما هي حال البلدة التي لم تظهر فيها إنجازات بلدية منذ سنوات. فالبلدية الحالية، برئاسة رشدي الترك، حُلّت بعد قبول مجلس شورى الدولة للطعن بسبب عدم التزام رئيس البلدية تنفيذ مقتضيات قانون الإثراء غير المشروع. ولا حديث في البلدة عن إنجازات للبلدية السابقة، برأسيها اللذين تناوبا على تولي الرئاسة، فوزي رستم ومصطفى غيّة. بل يتردد الكثير من الكلام عن الفساد الذي مورس خلال عهديهما. حتى إن غية الذي لم يتردّد في القول، في لقاء سابق مع «الأخبار»، إنه لكي يوافق عضو المجلس البلدي على إقرار أي مشروع يجب أن «تعطيه مئة دولار لكي يوقع، فغاية العضو المئة دولار، لا المشروع».
في الحال هذه، يمكن فهم حدة التعامل مع هذا الاستحقاق في تكريت، التي تظهر حتى قبل الدخول إليها. فعلى المدخل الأساسي، من جهة حلبا، لم يسجل سوى «إنجاز» واحد تمثّل في نزع لوحة الشهيد علي غازي طالب الذي استشهد في عملية أرنون الفدائية. أما على المدخل الآخر من جهة بلدة العيون، فلم يتسنّ للعاملين في الشأن البلدي إعادة رفع لوحة «تكريت ترحب بكم» التي سقطت ذات ليلة عاصفة.
هذا على مستوى المداخل، حيث يقيم قريباً من إحداها ماهر طالب في حارة عين عماص التي «تتحمل وزر الشاحنات وهي تمر في طرقاتها الضيقة، ولم يلق احتجاجنا لدى رئيس البلدية المنحلة رشدي الترك أي اهتمام، وخصوصاً أنه يملك محفارة، وهو بدوره مثل سابقيه حصل على 800 مليون ليرة من الصندوق البلدي المستقل، نفّذ في قسم منها تمديد مسافة ألفي متر من قساطل الصرف الصحي، ووضع الباقي في جيبه». يختصر الرجل المسن، وهو يقول: «صدّقني لم يبق من العمر بقدر ما مضى... لم يشتغل أحد لمصلحة الضيعة».
نتوغل داخل البلدة، لكن رغم استعداد الجميع للحديث في شأن الاستحقاق البلدي المقبل، وبرغم كثرة النخب المعنية به، يبقى حديث الرجل المسن أقل غموضاً من حديث غيره، وأكثر تعبيراً عن شدة التباينات القائمة. قبل منزل الطبيب حاتم العلي، المرشح لترؤس اللائحة المنافسة للائحة رئيس البلدية المنحلة رشدي الترك، يجتمع نفر من أهل البلدة. الانتخابات البلدية سيدة الكلام، وفي هذا المنزل «الدكتور حاتم العلي آدمي، وخدماته الطبية معروفة»، وهو على أي حال، يقول مفيد العبد الله رئيس النادي الرياضي الشعبي، «يسعى إلى تأليف مجلس يأخذ في الحسبان «التنوع العائلي والسياسي في البلدة، ولا يرغب في افتعال خصومات داخل البلدة، بما في ذلك مع اللائحة المنافسة التي يرأسها رئيس البلدية المنحلة التي حلّت بسبب ثغرة قانونية تمثلت بعدم تقديم الإفادة المتعلقة بقانون الإثراء غير المشروع». وفي اتصال مع العلي، الذي كان يومها في عيادته الطبية في حلبا، أكد أنه يخوض معركته «إلى جانب نخب من مختلف عائلات تكريت».
وفي منزل آخر، كان رئيس التعاونية الزراعية مروان نعمان يلتقي مع عضو قيادي في جبهة العمل الإسلامي زياد العلي. وفيما حرص الأول على القول إنه «لم يعد هناك ما يسمى معارضة وتيار مستقبل في الانتخابات البلدية في تكريت»، وإن المطلوب «تأليف مجلس بلدي يضم مثقفين وأصحاب كفاءة، بخلاف المجلس المنحل الذي فقد نائب رئيسه عضويته لأنه أمّي»، يأسف نعمان لـ«قبول ترشحه للانتخابات البلدية القادمة». أما زياد العلي، فقد رفع السقف، مطالباً الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري بـ«الوقوف على مسافة واحدة من الجميع وعدم زج التيار في منافسات عائلية داخل البلدة».
من جهته يؤكد نائب رئيس المجلس البلدي المنحل محمود محمد أنه يحسن القراءة والكتابة وأن نجاح الطعن به في المرة الماضية حدث لأنه كان يشكو وضعاً صحياً منعه من التقدم للامتحان، مؤكداً الطابع السياسي للمعركة البلدية التي تدور برأيه بين «تيار المستقبل من ناحية وقوى الثامن من آذار من ناحية أخرى».