تبدأ الاحتفالات بعيد الفصح في «المولات» في بيروت خلال «جمعة الآلام»، والطريقة الأفضل لاستقطاب الأهالي تكمن في تقديم عروض مسرحية مجانية للأطفال. فيتهافت هؤلاء على متابعة مسرحيات يفترض أن تكون مستوحاة من جو العيد، لكن، نزولاً عند رغبة الزبائن «المتنوعين» دينياً، يتغير الواقع. فالعروض تبني على الشعائر غير الدينية قصصاً لا تمت إلى الواقع الشرقي بصلة. من هذه القصص واحدة عن قرية تُسرق فيها بيضة العيد، ويبدأ السكان البحث عنها. البحث يجري بواسطة رئيس المجلس البلدي (Monsieur Le maire ) وبمساعدة سكان القرية الذين يرتدون الملابس الأوروبية في القرنين الثامن والتاسع عشر. مجريات القصة أوروبية، والدليل أنّ الممثلين يتخاطبون بالفرنسية، فيصبح الحفل بعيداً عن العيد، ويسوّق لطلبات زبائن «متفرنسين»، ثم يكتمل المشهد بالرقص على أنغام الموسيقى الغربية. يتحمس الأطفال فيشاركهم الأهل ويبدأ التصوير. ليست المشكلة في العروض، ولا في هدفها التسويقي البحت، فمن حق «المولات» أن تبحث عن الطرق التسويقية المناسبة لها، لكن لماذا يجري ذلك على حساب ثقافات الشرق، وتأتي هذه المسرحيات لتزيد الشرخ والتمييز بين المواطنين؟ هو أولاً تمييز طبقي مادي بين الأفراد، حيث لا تقدم العروض إلّا لزبائن «المولات»، وهو ثانياً تمييز ثقافي متمثل في حصر لغة المسرحيات بالفرنسية، وكأن العربية ليست لغة التلاقي بين أفراد المجتمع. أما التمييز الثالث، فهو قتل الطابع الديني للاحتفال عبر تفادي «المولات» الحديث الطائفي، فلا يبقى من عيد الفصح إلا البيضة المجردة من كل معانيها التراثية والدينية. قد لا يلتفت المسؤولون عن التسويق في «المولات» إلى الموضوع الثقافي، طالما أنّ هدفهم الأول والأخير هو إرضاء زبائنهم، لكن، يجب ألّا يكون ذلك على حساب الثقافة والتراث. الفصح اليوم والميلاد بالأمس، أعياد شرقية بامتياز، ألا يمكن أن يحتفل فيها بالعربية؟ وأين تكمن المشكلة لو صفق الأطفال لرقص الدبكة؟ ماذا لو تكلم معهم الممثلون بالعربية؟ محو الثقافة العربية والشرقية للمسيحيين بدأ منذ قرون، لكن ذلك تغلّب على الثقافة المحلية في العقود الماضية، ودخل اليوم في متاهات جديدة. فتعلم اللغة الثانية لا يكون في «المولات»، إذ إن مثل هذه المسرحيات تقتل هوية الشعوب، وتعلّم الأطفال أنّ تراثهم ليس جديراً بأن يقدم على خشبة مسرح. نعم، يعيش التراث الشرقي المسيحي اليوم أياماً حقيقية من محو هويته. فإخفاؤه عن الأطفال، والتستر خلف ثياب الغرب وموسيقاه هما رفض لإعطائه قيمته التاريخية الحقيقية.