عادت «النملية» إلى بعض المنازل البقاعية النائية. فقد دفع استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي وغياب المولدات الخاصة عن معظم القرى النائية ببعض سكان تلك المنطقة إلى الاستفادة من طرقٍ تقليدية اعتمدها الأجداد في ما مضى. وبما أنه «لا كهربا»، وبالتالي «لا براد»، فمن الطبيعي أن تعود النملية إلى مكانها في تلك البيوت.
«ما بيفيدك إلا قديمك»، من هذا القول تنطلق نايفة شكر (65 عاماً) في حديثها عن النملية التي عادت «نمليتين» في بيتها. تعرّف شكر النملية بالقول: «هي عبارة عن فجوة مستطيلة الشكل بارتفاع يراوح بين متر ومترين، ونحو متر عرضاً، وبعمق نصف متر، وهي على شكل خزانة تقسّم أفقياً إلى ثلاث أو أربع طبقات بواسطة رفوف خشبيّة مثبتة من الجانبين، تتقدمها واجهة مؤلفة من درفتين متحركتين من الخشب، تتخللهما فتحات مصنوعة من شريط ناعم مشبّك (منخل) لتسهيل عملية التهوئة من الخارج إلى الداخل، وبالعكس». أما اليوم فـ«وضعنا لها الزجاج بسبب عتق المنخل»، وإن كانت تفكر اليوم بإعادته ونزع الزجاج. أما مكانها الأمثل، فتتابع شكر قائلة «في جدران غرف البيوت القديمة المشيّدة من أحجار الطين». وتضيف: «كنا نضع فيها الألبان والأجبان على أنواعها والطبخات البايتة والبيض والخضار والفاكهة وبعض مراطبين المونة».
تعود «الحاجة» بذاكرتها عشرات السنين، فتقول مبتسمة: «رزق الله على هيديك الإيام، ما كان في كهرباء ولا ديجنتور، ولا همّ اقلبوا الهاوس على المولد راحت الشركة». تتأسف على «اليوم اللي اشترينا فيه البراد، كان وقتها بالستينات واستعملنا النملية للصحون الخزفية والزجاجيات».
أما وقد عادت «النملية» إلى البيت، فقد أعادتها الحاجة إلى «استخداماتها السابقة». وليس هذا فحسب، فقد أعادت شكر كل ما له علاقة «بالماضي» للاستعمال، وإن كانت لا تزال تحتفظ بتلك الأدوات للزينة. وبالقرب من غرفة المؤونة في الرواق الخارجي، أعادت شكر الطاولة الخشبيّة إلى مكانها. وهي الطاولة التي يتخلل مسطحها ثقبان دائريان، يبلغ قطر الأول نحو 20 سم، ووضعت بداخله جرّة فخّاريّة ممتلئة بالمياه. أما الثقب الثاني وهو أصغر حجماً، فقد خصصته شكر لإبريق الفخّار الذي تغطي «فتحته العليا» قطعة من القماش على شكل قبعة، وأخرى مشابهة صغيرة الحجم وضعت على «فتحة الزلّومة» (وهو المكان الذي تسكب منه المياه). وإن كانت شكر قد انقطعت بعض الفترات عن استخدام النملية، إلا أنها لم تنقطع يوماً عن استخدام الجرة والإبريق لشرب المياه على مدار السنة، رغم اقتنائها ثلاجة كهربائيّة. وقد تعيدها «أساسية»، إذا ما استمر وضع الكهرباء على هذه الحال.