عندما بدأ موسم الزراعات الشتوية، بقي سهل البقاع خاوياً إلا من القمح. فهنا، حيث البرد القاتل، لا تستطيع تلك المواسم احتمال مناخات الشتاء، وخصوصاً الخضار منها. وإن زرع البعض منها بقاعاً، فكي لا تبقى «الخيم البلاستيكية التي تزرع فيها صيفاً شاغرة»، يقول المهندس الزراعي الياس العلم. وحده، الساحل يمكنه أن يؤوي هذه المواسم. أما البقاع، فلم يعش فيه إلا القمح القادر على الصمود أمام البرد.
هكذا، تصبح مواسم الخضار مواسم لا يعوّل عليها في شتائنا، وهي الضعيفة أمام الصقيع. لم يبق إلا القمح إذاً، فهو «المنتج الوحيد المعتمد حالياً في البقاع». وهنا السؤال: لماذا؟ يقول العلم إن «القمح هو الوحيد الذي يحتاج إلى البرد لكي يسبّل». ثمة سبب آخر، وهذه المرة للدولة «يدّية فيه»؛ إذ إن القمح «هو من ضمن المنتجات التي تدعمها الدولة على كامل الأراضي اللبنانية». ويعود «تاريخ» الدعم إلى ما قبل عامين، عندما أطلقت وزارة الزراعة مشروع تطوير زراعة الحبوب. وقد وسّع نطاق الدعم الذي اقتصر بداية على تسلم الدولة إنتاج القمح من المزارعين بأسعار تشجيعية، إلى دعم بذار القمح والشعير المؤصلة والمعقمة والمغربلة التي توفرها مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية بأسعار تشجيعية أيضاً. وبدأت هذه الأخيرة ببرنامج «إكثار البذار المؤصلة»، الذي يُتوقع أن يوفر هذا العام حاجة لبنان من بذار القمح والشعير. هذا السبب وحده سيجعل من القمح «ريّس» سهل البقاع. وربما كان يعود لهذا الأخير الاسم الذي أطلقه المزارعون عليه في أيام العزّ: أهراء روما. لكن لهذه العودة «مستلزمات»، ومنها أن يتوافر المزارع المتخصص. وهنا، يلفت العلم إلى أنه عندما يكون «المزارع متخصصاً، فهو قادر على التحكم بعناصر الإنتاج اللي عم يخليها توصل إلى الحدود العليا، ولما يعمل إنتاج من الطبيعي أن يربح». وهذا المزارع قادر أيضاً على أن ينتج نحو 1000 كيلوغرام من الطن الواحد «إذا ما اعتنى بموسمه جيداً». وهو رقم «ليس سهلاً مقارنة بإنتاج حقول قمح أخرى، حيث لا ينتج الدونم الواحد أكثر من 400 كيلوغرام». ولكي يتحقق هذا الفرق الشاسع، لا بد من أن تبدأ العناية من «الأرضية والبذار»، وذلك من خلال إعداد الأرض وتسميدها وشراء البذار الجيد الذي يجب أن «يكون مصدّقاً ومعقّماً». وبعد ذلك تطبيق برامج مكافحة الحشرات، ولا سيما حشرة السونا «التي تضرب على الزهر». وهنا، تبرز الحاجة لمساعدة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية في برنامج مكافحة هذه الحشرة «وكانت وزارة الزراعة قد بدأت قبل فترة ببرنامج رش القمح مجاناً لمكافحة هذه الآفة». وإلى التخصص الذي يعزّز الإنتاجية، يضاف عنصر آخر هو الري؛ إذ إن المرويّ هو أكثر إنتاجاً وربحاً من غير المروي، فالمياه تسعف القمح «ليسبّل وليغزر». أما عن دورات ريه، فهي تقسم قسمين: الأولى، وهي تلك التي تتعلق بمياه الأمطار «وكلما كانت غزيرة كلما كانت أفضل». والثانية التي لا يتعدى عددها المرتين، فهي التي يقوم بها المزارع «في أيام الربيع، بعدما تشحّ مياه الأمطار». كل هذا سيؤدي دوراً في الإنتاجية طبعاً. أما الأمراض التي تضرب القمح، فلا مفرّ منها. لكن، هذه أيضاً يؤدي التخصص دوراً في مكافحتها والتقليل من أضرارها.