إبراهيم الأمينبدأ اللبنانيون، أمس، بمشاهدة الفيلم الممل الخاص بجلسات مناقشة الحكومة والتصويت على الثقة. وما سيبقى في ذاكرة من ألزم نفسه الاستماع، اللقطات والقفشات فقط، ويصعب على أحد أن يعد الناس بكلام من النوع الذي يهزّ الطاولات والكراسي. وثمة أقلية باتت الآن تسكن المجلس، وهي مؤلفة حصراً من الورم الذي أصاب كتلة الأكثرية في الانتخابات السابقة، وهو الورم القائم على شكل آدميين لا يمثّلون شيئاً، لا في الشارع ولا في اللعبة السياسية ولا في أي شيء، وحظّها الوحيد إعلامياً، من الآن فصاعداً، هو المنابر التي تتيح لهم الصراخ وهزّ الرأس وتقطيب الحواجب وزمّ الشفاه. وبعد المجلس سيتراكض هؤلاء إلى مقارّ المرجعيات الدينية ليتلوا من على أبوابها بياناتهم المكتوبة من صحافيي «النص ليرة» في لبنان، ثم ما يلبث بعض هذا الورم أن ينصرف إلى تحضير برنامج نفقات يقتصر على الوقود الذي يحتاجون إليه للقيام بواجبات العزاء في كل قرى لبنان وبلداته.
أما ما سوف يرد في خطب النواب الأكارم وكلماتهم، فيمكن استعادته من أيّ أرشيف، من صحف أو بيانات حزبية أو مؤتمرات سياسية، إضافة إلى أرشيف المجلس النيابي نفسه. والمملّ في الأمر ليس الإشارة إلى القضايا ذاتها التي لم تحل، بل لأن من يتعاقبون على الندوة يصرّون على أنهم الوحيدون الذين يتصدّون أو الذين بمقدورهم القول الفصل. والمحزن في الأمر أن أصحاب هذه القضايا قبلوا ويقبلون كل أربع سنوات أن ينتخبوا من يشكون منه في اليوم التالي. ومع ذلك، فهم يعيدون الانتخاب، وهذا ما يصيب غير المؤمنين من الذين يلدغون من جحورهم ألف مرة ومرة.
أما خارج ساحة الكرنفال، فثمة صراخ يرتفع يوماً بعد يوم، وسوف يعلو فوق قامة الجميع وفوق أصوات الطائرات التي تستعد للعودة إلى لبنان من الجنوب، وهو الصراخ المتصل بالبحث عن القوت، وهو الذي يبرّر كل أنواع الجرائم التي سوف تزداد في بلادنا يوماً بعد يوم!