عبد الرحيم العوجيأنا freelancer. أقولها دائماً بدون تردد مجيباً من يسألني السؤال الأكثر انتشاراً في لبنان بعد سؤال «أنت شو؟»، ألا وهو «شو عم تشتغل». وتزداد ثقتي بنفسي إذا كان السائل فتاة، فأضيف ابتسامة صغيرة، ساحرة، وأتابع القول: أنا أصنع المسرحيات والأفلام القصيرة، لأنتقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية في لبنان.ومن جهة أخرى، أنا «مستكتب». أكتب المقال والقصص القصيرة في الجرائد، بأسلوب نقدي ساخر وسوداوي. وأصبحت أخيراً «حكواتياً»، أروي بأسلوبي القصص التي حفظتها للناس كي يعيشوها، فنحن «نعيش لنروي» كما قال مركيز.
أنا freelancer. أقولها دائماً بدون تردد لأنني أحبها. فبالنسبة لي ما إن يثبت المعاش حتى يثبت كل شيء معه: دوام العمل وقوانينه، المدير، والروتين القاتل للإبداع القائم عليه عملي. كما سأتحوّل إلى جندي يضمن ديمومة رأس المال (الذي هو ليس لي طبعاً). ولكنني «أنرشي» الطباع، لا أؤمن بنظام نهائي نقدم له وقتنا وجهدنا وصحتنا وحلمنا بالتطور، مقابل مردود مالي ضعيف، وهذه «الأنرشية» تجعل وضعي المالي غير مستقر.
أنا freelancer. أقولها دائماً بدون تردد كي لا أصرح بأنني عاطل عن العمل، وكي أعطي لنفسي بعض القيمة المعنوية، وأحسّن صورتي أمام الآخرين. لكنني كبرت وأريد أن أستقر. ولأستقر علي أن أستقل، فلم أعد أريد الاستعانة بأهلي. ولم أعد أريد الشعور بالذنب لأني لست منتجاً، فعليّ إذاً إيجاد عمل أحبّه أقدم له بعض التضحيات (كون الحب تضحية).
وفي وسط «نقّي» هذا يبلغني الزميل نادر فوز أن هناك نية لاستحداث صفحة مخصصة للشباب ضمن جريدة الأخبار، وبأنهم بحاجة إلى... (يتابع نادر كلامه بسعادة وحماسة وأتابع سماعه بسعادة وحماسة يتلاشيان عندما ينهي قوله بعبارة) ...مستكتبين. لم يعد يهمني، فعندما كنت أعمل لم أكن أمتلك الوقت لصنع أي شيء، وعندما فقدت عملي لم أعد أمتلك المال لصنع أي شيء، لذا عشت حياتي كلها دون أن أتمكن من صنع أي شيء، والآن أنتظر قبولي في الجريدة مستكتباً، لأتابع حياتي كشخص منتج يصنع لا شيء.