قامت الدولة مشكورة بمنع الصيد في لبنان التزاماً بتوقيعنا اتفاقية لحماية التنوع البيولوجي. لكن إن كان هذا المنع، ممنوعاً من الصرف بسبب قدم «هواية الصيد» بين المواطنين اللبنانيّين، وصعوبة إقلاعهم عنها، إلا أنه وبتحوّله في ظل الأزمة المعيشية إلى مهنة تدرّ ربحاً، يهدّد بتحوّل «غض النظر» الذي تقوم به الدولة إلى قاعدة قد تنسف التنوّع البيولوجي والقانون نفسه.
وادي التيم ــ عساف أبورحال
7100 دولار هو مدخول أحد الصيادين في شهر واحد من صيد العصافير في وادي التيم. هذا الرقم هو مردود بيع الصياد، لـ.. 7100 عصفور اصطادها بوسائل مختلفة، في وقت يعدّ فيه الصيد البري ممنوعاً بقرار من مجلس الوزراء.
فقد تحوّلت رياضة صيد العصافير، وبانتظار قانون عصري، إلى عملية قتل عشوائي للطير دون التفرقة بين مقيمه ومهاجره. فالصياد الأصيل يريد قانوناً ينظّم ويشدّد الرقابة ويحدّد أنواع الطير المسموح بصيده، حسب قول بعض الصيادين، فيما القنّاص لا يوفّر جناحاً يرفّ، متحوّلاً بذلك إلى خطر يهدّد الطير والبيئة والمزارع والصياد. فهم لا يقيمون وزناً لعرف، ولا يقدّرون حماية مفروضة على أملاك عامة أو خاصة، همّهم عدد كبير من الطيور يردونها، سواء أكانت مهدّدة بالانقراض أم نادرة.
لكن اللافت هو تحوّل رياضة صيد الطيور أخيراً إلى مهنة حقيقية، وخصوصاً لدى المهرة أصحاب الخبرة الواسعة في هذا المجال، ممّن يجيدون طرق القنص و«الدبق» واستخدام أجهزة مناداة الطيور التي تحاكي الطير من بعيد وتجذبه ليقع فريسة، والتي «بدونها لا تستقيم الأمور نحو محصّلة جيدة قد تتجاوز 200 عصفور يومياً» كما قال أحدهم.
وفي قرى منطقة وادي التيم، تحتل هذه المهنة مركز الصدارة لدى شريحة واسعة من الشبان المحترفين الذين يتداولون ما يشبه «نشرة يومية» شفوية بأعداد الطرائد التي جرى اصطيادها، ومن خلالها يتحرك «مؤشر العرض والطلب» لتحديد أسعار بورصة الطيور، التي لامست دولاراً واحداً للعصفور. حركة نشطة لا تهدأ، تحضيرات تبدأ بعد ظهر كل يوم، ومخططات ترسم ليلاً لأماكن توزّع الصيادين، منعاً للاحتكاك أو التصادم الذي لا بد من حدوثه لأن المنطقة باتت مقصداً للعديد من الصيادين الوافدين من مناطق لبنانية مختلفة. الأمر الذي يمثّل إزعاجاً لزملائهم المقيمين لكونهم أصحاب الأرض ولهم الحق في ممارسة مهنتهم ضمن منطقتهم دون منافس، وخصوصاً أن العملية سلكت طرقاً تجارية، تدرّ أرباحاً جيدة لدى بعض الممتهنين الذين يمدون عشرات المطاعم بكميات كبيرة من العصافير يومياً.
من الصعب جداً التقاط صورة لصيّاد. والأصعب أخذ حديث مباشر منه بخصوص نشاطه. فهو يخشى مثل هذا الموقف خوفاً من ملاحقته. وإذا صرّح أحدهم بأية معلومات، فمن باب المجاملات لكنه يطلب عدم ذكر اسمه. ويقول أحدهم: «إنه اصطاد خلال شهر واحد سبعة آلاف ومئة عصفور، باعها بمبلغ 7100 دولار أميركي، توزّع استهلاكها على عدد من المطاعم التي تسجّل ارتفاعاً يومياً في الطلب، ما يشجّع على مواصلة هذا النشاط الذي بات مصدر رزق، ودخل حقيقيّ يمكن الاعتماد عليه طيلة أيام السنة». ويشير الرجل إلى أن وسائل الصيد متعددة، يأتي «الدبق» في طليعتها لأنه دون تكلفة، لكنه يحتاج إلى خبرات وممارسات سابقة تقوم على قواعد قد لا يعرفها الصياد العادي المبتدئ، هذا الأمر اعتُمد أخيراً بسبب غلاء ذخائر الصيد «الخرطوش».
وفي منطقة راشيا الوادي، التي لا تقل شأناً في هذا المجال عن جارتها حاصبيا، ارتفعت أخيراً بعض الأصوات المطالبة بوضع حد لهذا الانتهاك الذي تجاوز كل الخطوط الحمر. وأصدر الناشط الأهلي شوقي دلّال بياناً طالب فيه الجهات المعنية، بالتدخل لوقف المجازر بحق الطيور. وقال: «ندعو إلى تطبيق القوانين واحترامها، وخاصة في ما يتعلق بالسلامة العامة والحياة الطبيعية في لبنان، من هنا أتى نداؤنا لضرورة احترام تطبيق قانون منع الصيد، وما يمثّله لبنان من معبر للطيور المهاجرة، يخالف القوانين البيئية العالمية بقتل الطيور في هذه الفترة من السنة، ويضرّ بسمعة لبنان عالمياً». وناشد دلّال وزير البيئة ومجلس النواب «الإبقاء على منع الصيد منعاً باتاً لأن لبنان لم يعد يحتمل خللاً بيئياً بعد موجة الحرائق وتكاثر النفايات».
ويشير بعض الصيادين إلى أنه يجري يومياً اصطياد ألوف العصافير لحساب مطاعم ومنتجعات سياحية لتباع في كل لبنان. هذا الأمر يلقى ردّ فعل من جانب المزارعين أصحاب البساتين الذين يتلف قسم من محصولهم، وخصوصاً التين الذي يمثّل مصدر رزق للبعض منهم.
ويقول أحد الصيادين في منطقة حاصبيا «إن ارتفاع سعر الخرطوش دفع بالعديدين إلى ابتكار طرق ووسائل جديدة من خلال تعديلات أدخلت على أسلحة الصيد»، فقد «بات تحضير الخرطوش يتمّ يدوياً وبتكلفة أقل، لكن الأمر يبقى بحاجة إلى آلات لمناداة الطيور وجذبها إلى مسرح العمليات ومرمى البنادق». وشكا صياد آخر من ارتفاع عدد الصيادين الغرباء الذين يقصدون المنطقة، متّخذين لهم أماكن سكن بإيجار سنوي، وهذا الأمر غير مستحب ويمثّل إزعاجاً ومزاحمة لزملائهم المقيمين، وإذا كان الصيد ممنوعاً في مناطقهم عليهم الالتزام بالقرار دون مزاحمة الغير»!!
في مثل هذا الوقت من كل عام، تفتح جبهات الصيد على مصراعيها، على الرغم من المنع الواضح. وتقوم قيامة الصيادين الذين يتناحرون ويتزاحمون ويسابقون بعضهم بعضاً لاتخاذ مكمن جيد يمكن من خلاله قنص أكبر عدد من الطيور. هذه الظاهرة دفعت بأحد المزارعين من أصحاب الأراضي، إلى الطلب من الصيادين عدم دخول أراضيه، الأمر الذي قد ينذر بحصول سوء تفاهم، قد يتكرر في أكثر من مكان بين ناس مسلحين، اكتشفوا مهنة جديدة، وآخرين يدافعون عن أراضيهم ومحاصيلهم. في ظل غياب تام لأيّ رقابة من الدولة التي حتى لا تحاول أن تطبّق القوانين.


الخطّف لا «البايغون»