Strong>قضية المفقودين والمخطوفين اللبنانيين في أعلى سلّم أولويات الدولة، هذا لو أرادت الدولة أن تحترم حقوق الإنسان وكرامته. لكن الأمور لا تبدو كذلك، فزعماء الحرب يستمرون في إخفاء حقيقة جرائمهم رغم الاعتذارات«لقد أخطأنا في بعض الأوقات، كما قام أفراد منا بمخالفات، وارتكابات، كانت وللأسف الكبير شنيعة ومؤذية» قال سمير جعجع خلال مهرجان ذكرى شهداء حزب «القوات اللبنانية» في جونية يوم الأحد الماضي. وتابع «أتقدم باسمي، وباسم أجيال المقاومين جميعاً، شهداءَ وأحياءً، باعتذار عميق، صادق وكامل، عن كل جرح، أو أذية، أو خسارة، أو ضرر غير مبرر، تسبّبنا به، خلال أدائنا لواجباتنا الوطنية، طوال مرحلة الحرب الماضية». جعجع كان أحد أبرز المشاركين في الحرب الأهلية الدموية التي راح ضحيتها الآلاف وفُقد خلالها الآلاف. وكرّس اتفاق الطائف عام 1990 نهاية الحرب وصدر قانون العفو لكن المفقودين بقوا مفقودين. رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات» رفض التحالف مع الرئيس رفيق الحريري خلال مرحلة ما بعد الحرب. وحكم القضاء عليه بالإعدام لاغتياله الرئيس رشيد كرامي وسُجن إلى أن صدر عفو عنه أخيراً. جعجع المنتمي إلى تحالف 14 آذار أعلن اعتذاره عن أخطاء الحرب لكنه لم يُدلِ بأية معلومات عن الذين يشتبه في أن «القوات» تسبّبت بفقدانهم، لا بل إنّه أنكر وجود مقبرة جماعية في حالات دون أن يحدّد مكانها الحقيقي، فقال «للوصول إلى الوحدة، يجب استبعاد عوامل الفرقة بيننا. وهل من عامل فرقة، أشنع وأبشع، وأكثر إيلاماً، من ذاك الذي ينبش قبوراً غير موجودة، وينكأ جراحاً ما زالت ملتهبة، ويعود إلى الماضي البغيض الكريه، من أجل تشويه صورة الآخرين، وتحقيق مكاسب سياسية رخيصة؟».
إذاً القبور الجماعية «غير موجودة» في خطاب جعجع، فقد وضع الحديث عن هذه المقابر في الإطار السياسي الذي «ينكأ جراحاً لا تزال ملتهبة». لكن الكلام الجازم لم يُشفِ عطش آلاف العائلات التي لا تزال تبحث عن قطرة حقيقة تكشف مصير زوج أو تدل على قبر والد، غير أن رئيسة لجنة أهالي المفقودين وداد حلواني رحّبت، باسم اللجنة، باعتذار جعجع، «ولو أنه جاء متأخراً». لكن هذا الاعتذار، بحسب حلواني، «لا يزال بحاجة إلى استكمال يعطيه مفاعيل عملية، من خلال الكشف عن لوائح أسماء الأشخاص الذين خطفتهم القوات اللبنانية خلال الحرب، فضلاً عن توضيح مصير هؤلاء والكشف عن أماكن دفن من ماتوا أو قتلوا».
كلام لجنة الأهالي يستند جزئياً إلى تقرير اللجنة التي ألّفتها حكومة الرئيس سليم الحص يوم 21 كانون الثاني 2000، الذي نُشِر يوم 25 تموز 2000، وأكّد وجود مقابر جماعية في عدد من المناطق اللبنانية. وأحصى التقرير فقدان 2046 شخصاً، ممن تقدّم ذووهم من اللجنة بالمستندات المطلوبة. وأوردت اللجنة في تقريرها «أن التنظيمات والميليشيات المسلحة قامت بعمليات تصفية جسدية متبادلة خلال الحرب، وقد ألقيت الجثث في أماكن مختلفة من بيروت وجبل لبنان والشمال والبقاع والجنوب، وجرى دفن البعض منها في مقابر جماعية موجودة داخل مدافن الشهداء في منطقة حرج بيروت ومدافن مار متر في الأشرفية ومدافن الإنكليز في التحويطة، كما جرى إلقاء البعض منها في البحر». وبما أن الأطباء الشرعيين لم يتمكّنوا في ذلك الوقت، بحسب التقرير ذاته، من تحديد هويات الأشخاص الذين عثر على عيّنات من جثثهم، أنهت اللجنة تقريرها باعتبار «أن جميع المخطوفين الذين مرت على ظروف اختفائهم أربعة أعوام وما فوق ولم يعثر على جثثهم هم في حكم المتوفّين». غير أن إثبات الوفاة لم يقنع الأهالي. وكاد تقرير اللجنة يقفل الملف لولا إصرار الأهالي على معرفة مصير أبنائهم.
ويوم أمس، علّق رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية على كلام جعجع الأخير، مشيراً إلى نبش ما قيل إنه مقبرة جماعية في حالات يوم 15 نيسان 2008 بطريقة لا تتناسب مع المنهجية العلمية وبحضور مسؤولين في «القوات اللبنانية». وقال فرنجية إن «الجرافات فتحت خندقاً لا يتعدى الـ20 سنتمتراً، هم (القوات اللبنانية) بقوا ساكتين في الأيام الثلاثة الأولى وتكلّموا عندما تبيّن أن لا مقابر في المنطقة. إذا كان ضميره فعلاً مرتاحاً فكان يجب أن يتكلم من اليوم الأول لا أن ينتظر أن يتبين أن لا وجود للمقابر ليدافع عن نفسه».
يذكر أن المكان الذي جرى حفره في منطقة حالات لم يكن المكان الذي تحدّث عنه الشهود. فالشهود كانوا قد اشتبهوا بوجود مقبرة جماعية تحت عمود كهرباء وسط الطريق بينما الحفر جرى على مقربة من ذلك وبقي العمود منتصباً.
على أي حال، اقترح فرنجية أن «ينزلوا 4 أو 5 أمتار تحت الأرض ويروا إذا كان هناك قبور أم لا». وسأل فرنجية: «من اتهم جعجع في الأساس أنه مسؤول؟ كان هناك أخبار عن وجود مقابر فقام جعجع وقال لست مسؤولاً عنها».
(الأخبار)


الحل عند رئيس الجمهورية!

غازي عاد (سوليد) أكّد وجود مقابر جماعية في لبنان «وإلا فأين ذهب آلاف المفقودين؟» وقال إن الحلّ هو عند رئيس الجمهورية «الذي قدمنا له مذكرة في تموز، وقد تبنت الحكومة توجهنا في البيان الوزاري». فهل ستنشأ هيئة وطنية مستقلة للبحث عن المقابر الجماعية؟