عمر نشّابةمعيب وضع الأمن في لبنان؛ فمن شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى البحر، آلاف العناصر الأمنيين والعسكر بآلياتهم وعتادهم وحواجزهم وتنصّتهم على الناس ينتشرون في كلّ زاوية. مئات الدوريات بأحدث السيارات تجول في الطرقات دون توقّف. ملايين الدولارات تُصرف على المخبرين والعملاء والكاميرات والسلاح والتكنولوجيا الأمنية. يلتقي زائر العاصمة عشرات مسلحي الحماية وشركات الأمن الخاصة خلال جولة من ضواحي بيروت إلى رأسها. وتعترض طريقه حواجز اسمنتية ومعوّقات حديدية وإشارات منع الوقوف والمرور والتصوير والتجوال في محيط بيوت وقصور ومقارّ الشيوخ والرؤساء والوزراء وسائر الوجهاء، وكأنّ حماية أمنهم أهمّ من حماية أمن المواطنين العاديين.
معيب وضع الأمن في لبنان، حيث يتمكّن المجرمون من زرع عبوة ناسفة في سيارة مواطن دون أن يدري أحد، وحيث يغتال مسلحون وزيراً في وضح النهار أمام أعين الناس ولا يدري أحد، وحيث يقتل إرهابيون أرفع ضباط الجيش والأمن الداخلي ويرمون القنابل على المراكز الأمنية والثكن العسكرية ولا يدري أحد، ولا تقوى الدولة على تأمين الحماية أو التحقيق أو حتى الإمساك بخيط رفيع يوصل ربما إلى كشف الحقيقة أمام المحكمة.
لكن رغم ذلك، يتباهى بعض ضباط الأمن بأنفسهم ويحذّرون الإعلام من انتقادهم «لأن ذلك يضعف معنويات العسكر». ويعودون إلى سياراتهم الفخمة ونفخ دخان السيجار الكوبي والتمدّد في مكاتبهم التي لا ينقصها إلا القليل لتتحوّل إلى صالونات ترفيه أو صالات أفراح.
معيب وضع الأمن في لبنان، حيث يتميّز المسؤولون عن أمن الناس بالعضلات الاستعراضية والنظّارات السوداء وشهر السلاح بوجه المواطنين ومن نوافذ السيارات المموهة. وكم من نجوم على أكتاف ضباط انتقلت من بذلاتهم الرسمية إلى شهرتهم الإعلامية، فأصبح أحدهم «نجم المعلومات المكلّل»، والآخر «نجم الفهود المفترسة»، وثالث «نجم التدخّل المستعجل».
«هذا الكلام يضعف معنويات العسكر»... وكأن العسكر في لبنان كما في الدول الديكتاتورية، غير قابل للمساءلة والمحاسبة. وكأن استمرار سيل دم الناس في الشوارع منذ 3 أعوام دون أن يحاكم قاتل واحد، أمر طبيعي، بينما تصرف الدولة الملايين من المال العام على الأمن الداخلي وأمن الدولة والأمن العام والجيش.
أما في ما يخصّ تجاوز بعض الضباط للقانون فحدّث ولا حرج. إذ يبدو أنّ القانون آخر همّ هؤلاء. وهم يجهلون أو يتجاهلون أن صلاحيات ضباط الأمن والجيش لا تتجاوز الأمور الإجرائية ولا يحقّ لهم التشريع والإدانة أو حتى الاتهام.
كما يجهلون أو يتجاهلون أن وظيفتهم هي خدمة المواطنين لا إخضاعهم لخدمة الضابط أو الوزير أو الزعيم. وينسون أو يتناسون أن الشارع ليس ملكاً لقوى الأمن ولا الجيش ولا يحقّ لهم السطو على ما بقي من المساحات العامة لدواعٍ أمنية أو لتشييد المربّعات المغلقة.
ويتجاهل العديد من الضبّاط، أن العسكريين والشرطيين والمفتشين ليسوا لخدمة زوجاتهم وأولادهم ومنازلهم. ولا يوجد في القانون ما يشير إلى وظيفة حمل أكياس في السوبر ماركت أو تضييف القهوة لزوّار «المعلّم» أو توصيل أولاده إلى المدرسة وزوجته إلى الـ«كوافير».
وأهم من كلّ ذلك، يجهل أو يتجاهل بعض الضباط، وخصوصاً أولئك المكلفين استجواب الموقوفين، أن لا حقّ لهم على الإطلاق بتفسير أو تعديل أو تأجيل تطبيق القانون. ولا ضرورات تبيح التعذيب والضرب والإهانة. وإذا كان بعض الضباط يتباهون بضرب موقوف بعد أن يثبت ارتكابه جرائم بشعة، فالقانون يفرض إحالتهم على التحقيق الإداري والجنائي.
كم ضابط في القوى الأمنية سيظنّ أنه مستهدف بعد قراءة هذا النصّ؟.
قد يكذب بعضهم على نفسه معتبراً أنه غير معنيّ، ويشتكي في الوقت نفسه من كذب يقول إن هذا النصّ يتناوله. يُترك الأمر لحكم المواطنين.
لكن الواقع هو أنه منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في 1 تشرين الأول 2004، اغتيل الرئيس رفيق الحريري والوزير بيار الجميل والكاتب سمير قصير والسياسي جورج حاوي وجبران تويني والنائبَين وليد عيدو وأنطوان غانم والعميد فرنسوا الحاج والرائد وسام عيد، وأخيراً السياسي صالح العريضي، إضافةً إلى عشرات المواطنين، كما نجا من الاغتيال المقدم سمير شحادة والإعلامية مي شدياق ونائب رئيس مجلس الوزراء السابق الوزير الياس المر.
ولا يقتصر فشل القوى الأمنية والعسكرية على حمايتهم عبر تشديد الإجراءات الأمنية المناسبة، بل إن الإخفاق الفاضح يكمن في عجز المحققين وعدم تقديمهم المعلومات والدلائل الجنائية الكافية للنيابة العامة كي تتمكن من إحالة مشتبه بهم على المحاكمة. ولقد بقي هذا العجز رغم تخصيص ملايين الدولارات من المال العام لتطوير قدرات الأمن الداخلي وتحديث فرع المعلومات فيها، ورغم الدعم العربي والدولي والداخلي لها.
ألا يفترض ذلك إطلاق ورشة مساءلة ومحاسبة؟.