مقالع وآليات ضخمة، بعض من أصحابها أعضاء في السلطة التشريعية أكلوا جزءاً من الجبال، وعندما طلب منهم التوقف عن تدمير الطبيعة راجعوا شورى الدولة لتعوّض عليهم بملايين الدولارات
عامر ملاعب
مئتان وثمانية عشرة مليوناً وتسعمئة وتسعة وخمسون دولاراً ومئة وسبعة وعشرون سنتاً أميركياً بلغت قيمة التعويض الذي حدده مجلس شورى الدولة لصاحبي كسارة بسبب توقفها القسري عن العمل لمدة سنة و11 شهراً. إذ كان بيار وموسى فتوش، شقيقا النائب نقولا فتوش وصاحبا «الشركة اللبنانية المتحدة للمقالع والكسارات ش.م.ل.»، قد تقدما بطعن بقرار مجلس الوزراء الرقم 31/99 تاريخ 28/7/1999 الذي قضى بوقف عمل المقالع والكسارات.
هذا القرار أثار في حينه ردود فعل واسعة، ولا سيما أن قيمة التعويض استندت إلى حجم أعمال خيالي، وتبيّن من تقارير وزارة المال في حينه أن الضرائب المسددة من جانب هذين تدل على وجود تهرّب ضريبي فاقع، فإذا كان صحيحاً أن الكسّارات المعنيّة بالحكم تدرّ مثل هذه الأرباح لتستحق تعويضاً بهذا القدر، فإن ذلك يقتضي إجراء مقاصّة مع الدوائر الضريبية لاسترداد حقوق الخزينة العامة التي ستتجاوز قيمة التعويض المقرر، وبالتالي يجب إحالة الملف على القضاء لتطبيق القوانين المرعية الإجراء.
ورأى العديد من المتابعين أن الحكم بهذه التعويضات يخفي في طياته عملية اختلاس واسعة، ما استدعى ممارسة ضغوط على الحكومة للتقدّم بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة بتاريخ 15/12/2005 طالبت فيها بوقف التنفيذ وإعادة المحاكمة، فوافق مجلس الشورى على وقف التنفيذ وباشر عملية إعادة المحاكمة، وكان لافتاً أن وزير المالية السابق جهاد أزعور قد امتنع منذ توليه مهمّاته في الوزارة عن الرد على أي من اللوائح المحالة عليه من مجلس شورى الدولة المتعلقة بالقضية بالرغم من المعلومات الخاصة بـ«الأخبار» عن أن موظفي الوزارة أحاطوه علماً بأنه قد جرى الإعداد للقضية من جانب الإدارة المالية المعنية وأن الردود المحضرة كفيلة بتغيير وجهة الحكم السابق، أي بصدور قرار جديد لمصلحة الدولة والخزينة العامة والتراجع عن التعويض لآل فتوش، ولا سيما أن العقارات الواقعة في منطقة ضهر البيدر والمقامة عليها المنشآت تستأجرها غير الجهة التي صدر الحكم لمصلحتها.
وعلى الرغم من كل الوقائع التي تتعارض مع إعطاء كسّارات فتوش تعويضاً مالياً على حساب المكلّفين اللبنانيين، فقد فضح النائب إيلي سكاف أخيراً وجود نية لدى الرئيس فؤاد السنيورة لإجراء مصالحة تقضي بإعطاء تعويضات معينة لأصحاب هذه الكسارات في مقابل التراجع عن الدعاوى المقامة من الطرفين، وكانت باكورة المصالحة قيام السنيورة بسحب الملف من النيابة العامة المالية، والإيعاز بإعداد تقرير في شأن التعويضات التي يمكن إقرارها في مجلس الوزراء، وهو ما تحدّث عنه فتوش نفسه في مناسبة سابقة.
وكانت «الأخبار» قد كشفت في 28 آب الماضي أن وزير الزراعة سكاف انتقد في جلسة مجلس الوزراء نيّة رئيس الحكومة دفع تعويضات تصل إلى 220 مليون دولار لإقفال ملف كسارة الأخوَين فتوش، وأخرج ملفاً يتضمّن ضرائب ومستحقات للدولة بذمة الأخوين فتوش تبلغ زهاء 900 مليون دولار، لافتاً إلى أن هذا الموضوع رفضه الرئيس السابق إميل لحود، وأبطله مجلس شورى الدولة. فردّ رئيس الحكومة فؤاد السنيورة قائلاً إن هناك مَن يُفاوض فتوش من أجل إنهاء الموضوع. وأسهم تدخل الرئيس ميشال سليمان في منع حدوث مشادّات، وطلب إحالة الموضوع على لجنة خاصة لدراسته.