أنا في العادة مؤمنة بنظرية المؤامرة إلا أنني في بعض الأحيان أصاب بعارض من السذاجة من ذلك النوع الذي يقع بين المتوسط والشديد، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالسياسة عندنا، التي كانت ستدوخ ماكيافيلي بنفسه.وهذا ما حصل معي بداية الأسبوع الحالي. وقتها قرر رئيس الحكومة، عظم الله أجره، وفي بداية هذا الشهر الفضيل، أن يخصص نهاراً لمدينتي طرابلس. بطبيعة الحال ولأنني كنت في عارض السذاجة إياه، لم أشكك في دوافع عقد هذا اليوم الطويل.
وحزمت أمري للانتقال إلى الفيحاء في ذلك النهار، لأشارك أهل المدينة في مصابهم العظيم. فأنا، ولا أدري لماذا، ومن أين أتتني الفكرة، كنت مقتنعة بأن رئيسنا سيتكبّد عناء الانتقال إلى المدينة ليطّلع عن كثب على أحوال أبنائها.
كنت مقتنعة بأنه سيتخذ مقراً له في فندق المدينة الوحيد، أو ربما في معرض رشيد كرامي كي يتسع لطالبي الكلام كلهم. فأهل المدينة يا دولة الرئيس إذا بدأوا لن ينتهوا «نقاً» وكلاماً وشكوى عن أوضاعهم المعيشية، وظروفهم السيئة، والإعمار الذي لم يصل إليهم، والإنماء المتوازن الذي لا يعرفونه إلا بالاسم.
ولكنني اكتشفت لاحقاً أنه بقي مكانه، وأتى إليه من لا لزوم لوجوده. وبقي الناس هناك، في البلد (كما يسمي أهل الميناء وضواحي طرابلس عاصمة الشمال) ولم يأتوا إلى بلده. ليس لأنهم لا يستطيعون، بل لأن بلده لم تكن يوماً مضيافة بحق الطرابلسيين.

ديما...