مخرج مصري من خارج السرب، البعد الفردي والحميم حاضر في صلب اهتماماته، حتى عندما يصوّر الملحمة الفلسطينيّة في «باب الشمس»! فيلمه المقبل عن قهر المرأة المصرية: «حكايات شهرزاد» مع وحيد حامد، سيكون منعطفاً في مسيرته السينمائيّة

دينا حشمت
ليس هناك أبسط من أن تأخذ موعداً مع يسري نصر الله. اتصل بي بعدما تركت رقمي على هاتفه وحدّدنا موعداً: «35 شارع شومبوليون»، مقر «أفلام مصر العالمية» الشركة التي أنتجت أغلب أعماله. صاحب «باب الشمس» يندمج في لعبة البروفايل بسلاسة، يعرف كيف يحكي عن همومه الفنّية، عن الخوف الذي سيطر على مجتمعنا والذي هو محور آخر أفلامه «جنينة الأسماك»، عن تحدّي أن «تحكي عن شخصيات لا تشبهك»، أو عن إيجاد طريقة تتكلم فيها عن قهر المرأة من غير أن تدخل في «حرام كل الستات ضحايا وكل الرجالة ولاد كلب».
لكنّ يسري لا يستطرد كثيراً عن حياته الشخصية. يتحدّث عن مشاعر أكثر مما يخوض في سيرته الذاتية، يمر سريعاً على ذكريات طفولة قضاها في حي الزمالك، حيث درس في المدرسة الألمانية الأقرب إلى المنزل، فكان يذهب إليها سيراً على الأقدام مع أخته ناهد، مصمّمة الملابس المعروفة. لا يذكر تفاصيل كثيرة عن فترة دراسته في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، فترة «المظاهرات ومجلّات الحائط» في بداية السبعينيات، سوى أنها كانت أيضاً «فترة نادي السينما»، فخلالها تعرّف إلى المخرجين رضوان الكاشف وداود عبد السيد ومحمد كامل القليوبي. يتذكّر أيضاً أنّه شاهد أول فيلم في حياته مع أبيه في سن السادسة، «رحلة إلى منتصف الأرض»... وأنّ جاره في الزمالك كان المخرج شادي عبد السلام.
ابن العائلة الأرستقراطيّة الذي قطع مع وسطه، وشق لنفسه طريقاً مغايرة في السياسة والفن، لا يحب أن يتحدّث عن نفسه، يفضّل الكلام عن السينما. أوّل فيلم أعطى له «إحساس أنّه ممكن يعمل سينما في مصر»، كان «إسكندرية ليه» ليوسف شاهين: «أول مرة أشوف فيلم مصري، عربي، بيتكلّم عن «أنا». حاجة مدهشة، بالنسبة لحدّ عاش في ظلّ الناصرية وفي ظل نظام الـ 99% في الانتخابات، عن حد يتكلّم عن هو عاش إيه، وعاش التاريخ إزاي».
أحبّ أفلام يوسف شاهين إليه هي تلك التي تلقي نظرة نقدية على التاريخ المصري: «عودة الابن الضال»، «إسكندرية ليه»، «باب الحديد». قبل أن يخرج فيلمه الأول «سرقات صيفية» (1988)، وفيه عناصر أوتوبيوغرافيّة واضحة، تكوّن يسري كمساعد أول لشاهين في «وداعاً بونابارت» (1985)، كما عمل معه في عدد كبير من الأفلام، منها «إسكندرية كمان وكمان». واليوم، بعد رحيل «جو» يشعر بأنّه «فقد صديقاً عزيزاً جداً»: «أنا كنت بحب أتناقش معه. هو كان رأيه إني باعمل أفلام صعبة، بس عمر ده ما بوّظ علاقتنا... أظن أن تطور العلاقة شيء طبيعي، وخصوصاً لما بدأت أحدد نفسي كسينمائي، ما بقيتش مجرد تلميذ، أستاذي أصبح يتابع شغلي. فيه ناس بتخش في الموضوع بحماس واندفاع. وهو من التراث ده. وأظن أنا كمان».
عندما عرض على يسري أن يحكي عن التاريخ الفلسطيني، اختار أن يروي قصة حب بين يونس الفدائي وزوجته نهيلة، اللذين فصلتهما النكبة. نقل إلى الشاشة رواية إلياس خوري فكان فيلمه «باب الشمس» (2004). في الجزء الثاني من الفيلم تلقي تساؤلات خليل، الطبيب الشاب، ضوءاً نقدياً أليماً على تاريخ المقاومة الفلسطينية من وجهة نظر مَن اغتيلت حبيبته المقاتلة على يد رفاق النضال. شخوص «باب الشمس» ليسوا أبطالاً، هم بشر من لحم ودم، يتساءلون عن تاريخهم. عاد يسري نصر الله إلى بيروت، ليصوّر الفيلم في المخيمات: من «عين حلوة» إلى مار إلياس، مروراً بشاتيلا، فاستعاد جزءاً من ذكريات الحرب الأهلية التي عاشها في لبنان مع أصدقائه، جوزف سماحة وناجي العلي وغيرهما.
هكذا يحبّ أن يحكي التاريخ والدنيا. في «مرسيدس» (1993) صوّر مهمّشي القاهرة. بطل الفيلم نوبي، «السلطة عايزة تبعده عن قناعاته، الناس مش عايزاه». أثار الفيلم ضجة كبيرة؛ بعضهم رآه «معادياً للتقاليد المصرية»، كما يقول يسري: «بطل مسيحي وشيوعي، وأمه بتحب السود وأخوه مثلي جنسياً»... يردّ نوبي على راكب في الأوتوبيس استغرب شكله: «لو كان ربنا عايزني أكون زي كل الناس، كان خلقني زي كل الناس». كيف تعيش في بلد تحكمه سلطة ديكتاتورية، وتستحوذ عليه قيم الأغلبية الساحقة، وأنت مختلف، لا تشارك الأغلبية لا دينها ولا قناعاتها السياسية، ولا توجّهات حياتها الشخصية؟ هذا هو التساؤل الذي طُرح في «مرسيدس».
مثل هذا التساؤل كان حاضراً في ذهن يسري عندما صوّر «صبيان وبنات». فيلمه التسجيلي عن الحجاب في مصر: «ولا أنا مسلم، ولا نمط حياتي فرض حاجة على الناس باسم الدين. أنا مش متعاطف بالكامل. إنما لما أعمل فيلم عن ظاهرة للدرجة دي منتشرة، ما ينفعش أسخر منها، ولا أحط نفسي خارجها. الحاجة الوحيدة اللى خلتني أقدر أعمل الفيلم، هو إنه مفيش ولا شخصية واحدة من الفيلم ما بحبهاش. دي حمايتي».
يسري نصر الله لا يصنع أفلاماً ليس مقتنعاً بها، أو تستجيب لمعايير «السوق». عندما أسأله إذا كان «يعيش من أفلامه» يرد بنعم، من دون تردّد. إذا كان بعض سينمائيي جيله اعتزلوا العمل السينمائي بسبب مشاكل الإنتاج، أو قدّموا إلى السوق بعض التنازلات، فهو ليس منهم. استطاع من خلال شركة «أفلام مصر العالمية» التي أسّسها يوسف شاهين وبفضل الإنتاج المصري ــــ الفرنسي المشترك (شاركت قناة «أرتي» الفرنسية ــــ الألمانية في إنتاج جميع أفلامه)، أن يحافظ على استقلاله ويتفادى العمل تحت ضغط «شبّاك التذاكر» ومتطلّباته. واستطاع أن يصنع أفلاماً «مختلفة» هاجمها بعضهم «لأنها ليست جماهيرية».
حاليّاً يعمل على«حكايات شهرزاد» مع منى زكي في الدور الرئيس، والفيلم الذي يدور حول قهر المرأة المصريّة، قد يمثّل منعطفاً في مسيرته السينمائيّة. لأول مرة سيعتمد على سيناريو لم يكتبه بنفسه، ولم يشارك في كتابته. ولأول مرة يتعاون مع سيناريست مهيمن على السينما المصرية وعلى «شبّاك التذاكر» أيضاً: «وحيد حامد موهوب جداً. كتب «البريء» و«الإرهاب والكباب» و«المنسي». حماسي جاي من إني محتاج حاجة تحسّسني إني رجلي على الأرض، مش إني طاير هناك».


5 تواريخ

1952
الولادة في القاهرة
1978
ناقد سينمائي في جريدة «السفير»
في بيروت التي غادرها عام 1982
1999
جائزة لجنة التحكيم
الخاصة لفيلم «المدينة»
في مهرجان لوكارنو
2004
«باب الشمس»
في «مهرجان كان السينمائي»
2008/strong>
أحدث أفلامه
«جنينة الأسماك»