في مدينة عرفت بميلها إلى أحزاب غير دينية، يتزامن «الشهر» مع صيف الشواطئ، ووجود ما يقرب من 20 جنسية لليونيفيل، ما يعطي رمضان صور مذاقاً خاصاً
آمال خليل
تُنزِل الفتاة المحجّبة زجاجات الشمبانيا والويسكي والبيرة والكحول المختلفة عن رفوف «بار» أحد مطاعم وملاهي صور الفخمة، وتستبدلها بالعصائر وقناني الماء. فشهر رمضان حلّ بحسب الملصق المعلق على مدخل الملهى الأحمر، إلى جوار ملصقات أخرى تنذر الساهرين بوجوب اصطحاب ساهرات معهم، وإلا فالمنع من الدخول. وهناك أيضاً ملصقات تخبّر عن برنامج السهرات والحفلات الغنائية الخاصة بالشهر المبارك.
يحسب هذا الملهى الليلي، وسواه الكثير في صور، حساباً لحلول الشهر الفضيل. فيزيل المشروبات الكحولية من قائمة ما يقدّمه إلى زبائنه الموزَّعي الجنسيات في مدينة تكاد كل دولة في العالم أن تكون ممثلة فيها. لكن السهرات والحفلات الغنائية تبقى، ويقصر البعض فتح أبوابه أمام الزبائن على ما بعد ساعة الإفطار. فيما يبقى مطعم واحد في المدينة على حاله، لأنه ملجأ جنود قوات الطوارئ الدولية أو اليونيفيل وسائر الأجانب المقيمين عندما يريدون تناول الطعام، إضافة إلى المقاهي الواقعة في ما يسمى هنا «حارة النصارى» إلى جانب المرفأ.
يقول جميل برّو أحد المشرفين على الملهى أن شطب الكحول من قائمة خدمات ملهاه، هو من باب «احترام تقاليد المدينة في هذا الشهر حيث يكون معظم العاملين صائمين أيضاً». لكن برّو يقرّ بأن الكثير من الزبائن «يطلبون الكحول حتى في رمضان»، ما يعيد النظر في ما يشير إليه على أنه «تقاليد المدينة».
يكون رمضان في صور في الشكل والممارسة أقلّ من حضوره في قرى المنطقة كما في صيدا على سبيل المثال. فالتنوّع الديني، واجتماع جنسيات العالم فيها منذ وصول قوات الطوارئ إليها قبل 30 عاماً، وما عرفت به المدينة تاريخياً من الانتماء إلى أحزاب غير دينية (معظمهم مغتربون منذ عشرات السنين بالأغلب في أفريقيا)، يفقد شهر الصوم ورع الطقوس في شوارع صور. كل ذلك برغم صعود التيار الديني في المدينة الجنوبية منذ عام 1986 دون أن يستطيع ذلك الصعود تغيير «الهوية المنفتحة» للمدينة جذرياً. فمنذ سنوات، يغيب المسحراتية عن حارات صور، في الوقت الذي كانوا يغطون فيه سابقاً كلّ الأحياء: القديمة منها والمستحدثة. ما دفع بمجموعة من الشباب المحلي إلى مبادرة تأليف فرقة للإنشاد والتراويح الدينية، تقوم بمهمة القرع على الطبلة والدفّ، وتتجول ليلاً في بعض الشوارع لإيقاظ الناس من أجل السحور.
وبما أن الموسم الصيفي الحالي، والمقبل، يصادف من حيث توقيته شهر رمضان، فإن المتجول على شاطئ صور الشهير بجماله، يلاحظ أن الخيم البحرية لا تزال مفتوحة أمام مرتاديها من جميع المناطق كالمعتاد. إضافة إلى الكورنيش البحري، بفروعه الشمالية والغربية والجنوبية في المدينة، الذي تنتشر عليه المقاهي الصغيرة خلال الصيف موزعةً المشروبات الصيفية على من يرغب من المتنزهين. فبلدية صور لم تتخّذ حتى الآن إجراءات خاصة بشهر رمضان، على غرار ما فعلت بلدية صيدا، تقوم من خلالها باستحداث مقاهٍ وأمسيات وليالٍ رمضانية. ليال، تستقطب من خلالها آلاف الزوار من قرى قضائها، علماً بأنها تملك الإمكانات والوسائل الكاملة من حارات تراثية وكورنيش بحري وموارد بشرية هائلة يؤمّنها آلاف المغتربين الذين لم يغادروا حتى الآن إلى دول إقامتهم.
ومنذ خمس سنوات تبادر مجموعة من الفوّالين والقصّابين في السوق القديم «بشكل فردي» بحسب القصّاب فهد الكناس، إلى فتح محالّهم بعد الإفطار وحتى الفجر لاستقبال الزبائن الساهرين.